الحراك والإصلاح الاقتصادي…!!
خرج الناس على صمت بعد ان وصل السيل الزُبى، انعكاساً لتصاعد النفقات الحكومية خاصة منها النفقات الجارية التي وصلت الى أرقام غير مسبوقة وبعلاقة عكسية مع النفقات الرأسمالية بحيث كان انخفاض النفقات الرأسمالية تتويجاً لسياسات مالية منسجمة مع خطاب سياسي يتعلق بالتخلي عن دور الدولة في إدارة شؤون الاقتصاد والبلاد.إن ارتفاع رواتب الوظيفة العامة في المؤسسات المستقلة وارتفاع اعداد الملتحقين بالوظيفة العامة وخاصة بالقطاع العسكري والامني بالاضافة الى ارتفاع فاتورة الهيكلة وفاتورة التقاعد وخدمة الدين العام والنفقات العسكرية والامنية جميعها اسباب ادت للسلطة التنفيذية المسيطرة على السلطة التشريعية, التي تعبر عن منتج تحالف بين رأس المال والسلطة السياسية التقليدية بالاردن حيث شرّعت هاتان السلطتان لقوانين ذات علاقة بالحزمة الاقتصادية جعلت عامة الشعب الاردني مورداً للخزينة بدلاً من ان تكون هذه الواردات من دخول الاغنياء وادواتهم الاستهلاكية وخاصة بعد ان حاولت الحكومات المتعاقبة تغطية العجز في موازناتها السنوية من المديونية التي وصلت الى نسب متقدمة من الناتج المحلي الاجمالي وبحدود اقتربت عما يزيد عن (150%) عن قانون الدين العام.
ان وعود الحكومات المتكررة وخططها الخمسية والتحفيزية للاقتصاد الاردني الذي همشته هذه السياسات خلق اجواءاً من عدم الثقة بأي طروحات ذات علاقة بحل ازمة المالية العامة التي يعيشها الاردن والتي انعكست على الاقتصاد الجزئي بقطاعاته الاساسية المتمثلة بالصناعة والزراعة فالترجمة لتلك السياسات التي اسلفت كان باحلال قانون ضريبة المبيعات بدلاً من قانون ضريبة الدخل الذي كان قانوناً عادلاً حتى نهاية سنة 1995 حيث وصلت النسب الضريبية على دخول الافراد بواقع (45%) مضافاً اليها (10%) خدمات اجتماعية, اما الشركات المالية بما في ذلك البنوك فقد وصلت نسبتها الى (55%) اما الصناعة فبلغت نسبتها (38%), اما الزراعة فكانت معفاه بالكامل.
ان اخضاع مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي والسلع المنتجة من هذين القطاعين والسلع الخدمية الى ضريبة مبيعات بنسب ابتدأت من (7%) ومروراً ب(10,13%) وانتهاءً ب (16%) ادت الى انهاك ميزانية الاسرة الاردنية وقطاع الصناعة والزراعة على وجه الخصوص منعشاً بهذه السياسة قطاع الخدمات على حسابهما مما ادى الى تعاظم حصة الخزينة من الضرائب غير المباشرة المفروضة على الغالبية العظمة من ابناء شعبنا المستهلكة لمنتجات القطاعات الثلاث وخلافاً لمضمون المادة (111) من الدستور الاردني التي تحدثت عن التصاعدية بالضرائب وعلى ضورورة مراعاة مقدرة المكلفين على الدفع.
ان عودة الحكومة لقانون ضريبة الدخل بسياسات تراجعت عنها الحكومة مع تعزيز للسياسات الضريبية غير المباشرة (مبيعات, جمارك) مع رفع مستمر ومتصاعد لاسعار المشتقات النفطية واسعار الكهرباء كانت القشة التي قسمت ظهر البعير حيث خرج الناس الى الشوارع معلنين ان الحل الناجح يكمن في الاصلاح السياسي اولاً ودائماً وبما يحقق اصلاحاً اقتصادياً وحدهما قادران ان يعالجا الخلل الاجتماعي الذي اصبح ظاهرة حقيقية تجلت باعمال العنف التي انتشرت في اكثر من موقع ولاتفه الاسباب انعكاساً لتجليات الازمة الاقتصادية كارتفاع نسبة البطالة ونسبة الفقر اللواتي قاربتا (20%) من حجم السكان حسب الارقام الرسمية للحكومة مقابل انتفاخ جيوب الاغنياء بالاموال والذي تجلى بودائع تزيد عن (33) مليار نقداً لدى البنوك الأردنية دون ودائعهم في البنوك الخارجية وممتلكاتهم العينية (عقارات… الخ) .
ان حكومة قادرة على معالجات هذه الاختلالات تستوجب على الرئيس المكلف ان يلتقي الأحزاب اولاً والنقابات ثانياً ومؤسسات المجتمع المدني دائماً نهجاً قد يساهم في وقف الاحتجاجات وانقاذ البلاد من مصير يهدد أمتنا والاقتصاد الاجتماعي على حد سواء.