مقالات

الجولان وتوقيت الإقرار الأمريكي بالسيادة الصهيونية عليها

تبعد هضبة الجولان 60 كيلو متر إلى الغرب من العاصمة دمشق، وتقدر مساحتها الإجمالية 1860 كيلو متر مربع، وتمتد على مسافة 74 كيلو متر من الشمال الى الجنوب، دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كيلو متر. وقام العدو الصهيونى باحتلال 1260 كيلو متر من مساحة الهضبة ( الثلثين تقريبا ) فى حرب يونيو ( حزيران) 1967 بما في ذلك مدينة القنيطرة, وتشكل الجولان بخلاف موقعها الاستراتيجى أحد أهم شرايين الحياة للعدو الصهيونى حيث يستمد 25% من المياه بسيطرته عليها.وفى حرب أكتوبر ( تشرين أول ) 1973 تمكن الجيش العربي السورى من تحرير مساحة 684 كيلو متر مربع من أراضى الهضبة المحتلة ، لكن للأسف الشديد عندما أعلن وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية كثف العدو هجومه على الجبهة السورية وأعاد احتلال هذه المساحة مرة أخرى قبل نهاية الحرب ، وفى عام 1974 أعاد العدو الصهيونى مساحة 60 كيلو متر مربع من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية فض الاشتباك، وقد عاد الى هذا الجزء بعض سكانه باستثناء مدينة القنيطرة التى مازالت مدمرة وترفض الدولة العربية السورية إعادة بنائها وإعمارها حتى انسحاب العدو الصهيونى الى حدود 4 يونيو ( حزيران ) 1967.
حيث اتهمت الدولة السورية العدو الصهيونى بالتدمير المتعمد للمدينة قبل انسحابه منها، بينما ينفي العدو ذلك، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الموقف العربي السورى فى قرارها رقم 3240 فعبرت عن قناعتها بأن قوات العدو الصهيونى المحتلة كانت مسئولة عن التدمير المتعمد الكامل لمدينة القنيطرة ، فى خرق للبند 53 من معاهدة جنيف لعام 1949 تحت البند 147، وقامت الدولة العربية السورية ببناء مدينة صغيرة بضواحى القنيطرة أطلقت عليها مدينة البعث، وأعادت إعمار القرى الجولانية التى استعادتها.
لم تقتصر سياسة الضم والقضم الإسرائيلي للأرض العربية على فلسطين وحدها، بل إنها تشمل اليوم أرضا أخرى، فكان الجولان السوري الذي احتل في العام 1967 هو القفزة التالية. ورغم القرارات الدولية المتتالية من القرار 242 الى القرار 338 وصولا الى القرار 497 وهو الأهم والأشدّ تأكيدا على هوية الجولان بأنه عربي سوري ورفض أي تدبير إسرائيلي لضمه، فقد اعتمدت إسرائيل قرارا لضمه وأعلنته في العام 1981.
ولكن الأخطر والأدهى اليوم هو اعتراف أميركي بـالسيادة الإسرائيلية على الجولان ، في موقف اتخذه ترامب خلافا لكل شيء يسمى شرعية دولية. اعترافا يشكل جائزة ترضية للعدو الصهيوني الذي خسر مع الخاسرين في سورية. قرار يذكّر أيضا بمسار انشاء إسرائيل ذاتها على أرض الغير المغتصبة.
ما اقدم عليه الرئيس ترمب هو امتداد لسياسته التي يمارسها منذ وصل لسدة الحكم قبل 3 سنوات ، فهو يتصرف كتاجر عقارات يبيع ويشتري في كل المجالات بما فيها الأراضي العربية المحتلة . توقيعه بالأمس شبيه بما قام به بلفور قبل مائة عام ، منح ما لا يملك لمن لا يستحق . وبتصرفاته هذه يريد ان يوزع الأراضي العربية والفلسطينية ويقدمها كهدايا انتخابية لنتنياهو ويستثمرها لتعزيز موقعه الانتخابي في الولايات المتحدة لولاية رئاسية ثانية .
الموقف العربي من الاحداث الجارية تعكسه حالة الضعف والهوان العربي الذي تعيشه المنطقة العربية منذ اكثر من ربع قرن ، وحالة التفكك التي تمر بها وانشغالها بأزماتها الداخلية التي فجرتها الولايات المتحدة عبر أعوانها ، وارتكازها على قوى الإسلام السياسي وقيامهم بإضعاف الدول العربية واحداث انشغالات داخلية وازمات سياسية واقتصادية مما أتاح الفرصة للولايات المتحدة ولترمب ان يتصرف بهذا الشكل من العنجهية والعنصرية.
لا يمكن التعويل على موقف عربي مؤثر فالعرب وللأسف يتخبّطون في حالة من الوهن والضياع أفقدتهم أي وزن استراتيجي او قوة تأثير دولية ، وباتوا مائدة يتقاسمها الأقوياء .
أثارت الهيمنة الامريكية فيما يتعلق بالمنطقة العربية حيث يأتي اليوم قرار ترامب بعد منح القدس كعاصمة لدولة الاحتلال بشكل منافي لكل قرارات الشرعية الدولية ، وتوقيعه على ضم الجولان هو تناقض صارخ مع الشرعية الدولية وهذا يفتح الباب لتصرف اكثر خطورة في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني فهذا يفتح المخاطر على توقيعه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الفلسطينية المحتلة مع التركيز على قيام كيان غير معرف في قطاع غزة تجري المفاوضات بأشكال مختلفة من اجل تكريسه وتحويل الانقسام الى انفصال.
أميركا بقرارها تدفع المنطقة الى الميدان للعمل بخيار القوة وهو الوحيد المتبقي لاستعادة الحق بالأرض، وتشرع في عملية تفتيت سورية وتقسيمها في خطوة أولى تقطع منها أرضا ، وتحضر لخطوة أخرى تليها تتمثل بإقامة الكيان الكردي الانفصالي في شرق الفرات الذي تحتله أميركا اليوم وتتكئ على الأكراد ومقولة حمايتهم لتبرير احتلالها.
لأصدقكم القول سوف يمرّ إعلان سيادة إسرائيل على الجولان المحتل كما مرّ إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولن يردع الولايات المتحدة الانتقادات التي خلفتها الخطوة الأخيرة ولا يوجد سبب لتوقع عاصفة أشد في موضوع الجولان. حيث يستبعد أي رد من دمشق على إسرائيل عسكريا، على الأقل في المرحلة الحالية.
لا شك انها لحظات صعبة تعيشها المنطقة ، ولكن الاستفادة محصورة حاليا بالاسرائيليين فيما العرب يبقون متفرجين على مصيرهم الذي يحضّره لهم الغرب، دون القدرة على الاعتراض !

بواسطة
عبدالله الجمل
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى