الثقافة وتحرير الانسان مع باولو فيريري مرة أخرى
الثقافة تستهدف تحرير الإنسان وتوجيه طاقاته نحو تغيير العالم الذي يعيش فيه. الثورة عمل يمارسه المقهورون من أجل تجاوز ظروف القهر واكتساب حريتهم وهم في هذه الممارسة يواجهون المستبدين، الذين لا يريدون لهم أن يتحرروا بل يريدون لهم أن يستكينوا لظروف القهر ويعتبروها قدراً محتوما.
ثثقيف الشعب قرار سياسي، ذلك أن تعليم القراءة والكتابة لا يمكن أن يكون عملاً حياديًا. بل هو فى الحقيقة له قصد سياسي، إذا كان بأسلوب التلقين فهو يرسخ القهر، وإذا كان بالأسلوب الحوارى فهو يحقق الحرية ويكسر قيود القهر.
الثورة، ليست منحة يقدمها القادة للأفراد ذلك أن الأفراد إن لم يبدأوا تحرير أنفسهم بأنفسهم في عمل تضامني، فلن يمكن للقيادة أن تحررهم، وهنا تكمن أهمية القيادة في العمل الثوري، فللقادة دور هام في توجيه الجماهير للإحساس بظروف القهر، غير أن القيادة التي تفرض فكرها على الناس محكوم عليها بالفشل لأنها ليست قيادة ثورية وإنما هي بديل متسلط يحل محل القاهرين ويفتقر إلى الثقة فى الجماهير.
ان محاولة عرقلة العمل الجماعي والحوار مع الجماهير يعتبر خوفا من الحرية، أو عدم ثقة بالجماهير ، فالثورة التي تقوم على عدم الثقة لا تحـقـق أهداف الجماهير وإنما تـحقـق أهداف القادة وحدهم، الثورة لا تحقـق أهداف الجميع إلا بتحالف الجميع.
القهر والتخلف والسيطرة هو السمة الرئيسة للعصر الذي نعيشه، ذلك النسق من المعايير والإجراءات والقوانين الذي يشكل الناس ويكيف طبيعتهم، ثم يضغط على عقولهم حتى يعتقدوا أن الفقر والظلم الاجتماعي حقيقتان طبيعيتان لا يمكن تجنبهما في الوجود الإنساني ولا يتم ذلك إلا حينما يكون النفوذ والقهر ليس مجرد بنية اجتماعية واقتصادية، وإنما ثقافية أيضًا.
والسلطة لدى قلة من الناس، والخرافة، والوهم في عقول الكل.
فالاغلبية الصامتة او ما يسمى «ثقافة الصمت» والتى يتم فيها قبول الأمر الواقع القهري فيتأرجح الناس بين وهم التفاؤل وقهر التشاؤم غير قادرين على تغيير واقعهم وسعيهم الجاد نحو المستقبل، ولذلك يسعى الناس في هذه المجتمعات إلى استعارة حلول لمشكلاتهم من المجتمعات الأخرى دونما فحص أو تحليل نقدي لسياقاتها التاريخية التي ظهرت وتبلورت فيها، ونتيجة ذلك أن تكون ثقافة هذه المجتمعات “ثقافة مغتربة”.
“لا يوجد شيء اسمه عملية ثقافة محايدة، فالثقافة إما أن تتحول إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في النظام الحالي وتؤدي إلى الانصياع له، أو يصبح أداة لـ “ممارسة الحرية”، إنها الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلاق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم”.
الأداة الوحيدة في عملية التحرر هي الثقافة ، التى تعمل على “الأنسنة” وعلى إقامة علاقات حوارية بين القيادة والمضطهَدين، أما الثقافة السلطوية فهو التي تؤدي إلى تطويع المثقفين وجعلهم جزءا لا يتجزأ من عملية القهر والعبودية، وعكس الثقافة السلطوية تأتي الثقافة التحررية التي تقوم على الحوار الواعي الذي يؤدي بالمثقف إلى نقد المجتمع، والوصول به إلى التحرر والقضاء على السلطويين.