التناقض بين الإصلاح والممارسة الحكومية
الهجوم الدموي الذي أقدمت عليه السلطة ضد الشباب المعتصمين في دوار جمال عبدالناصر يوم 25 آذار كان في حقيقته يعكس حالة الرعب التي عاشتها كل القوى المعادية للإصلاح خاصة بعد أن رأينا أن القاعدة الاجتماعية للمطالبين بالإصلاح ومحاربة الفساد هي في اتساع مستمر وأن مستوى الجسارة لديهم في التعبير عن أهدافهم ومطالبهم ورفض كل من صادروا حقوقهم هي كذلك في ارتفاع دائم.
لقد أصابهم الهلع وهم يرون أن التخوم تتحدد وتزداد وضوحاً بين القوى الفاسدة الرافضة لأي إصلاح أو أي نوع من المشاركة الشعبية وبين القوى الشعبية التي تصر وبشكل حازم على محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترداد ما نهبوه من أموال الشعب وتطالب كذلك بإصلاح يكرس سلطة يكون فيها الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطات ، إصلاح يمنع تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والتشريعية.
هذا الوضوح في الصراع وفشل قوى الشد العكسي من مواجهة القوى الخيرة من المجتمع المطالبة بالإصلاح، هذا الفشل دفعها لاستحضار كل عناصر الفتنة والتجييش والتحشيد غير عابئة بسبب من أنانيتها بما تلحقه هذه السياسة من مخاطر على الدولة والوطن والشعب.
إن اعتقاد هذه القوى ( قوى الشد العكسي ) بأنها انتصرت في معركتها ضد مطالب الشعب حينما داهمت المعتصمين، نقول أن هذا الاعتقاد ستثبت الأيام بأنه اعتقاد قائم على الوهم لأن الإصلاح بات ضرورة لا يمكن بدونها السير بثقة إلى الأمام بل أننا لا نحسن حل مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية ولن يكون بمقدورنا تحقيق العدالة إلا من خلال الإصلاح.
ولعلنا غير مبالغين إن قلنا أن من يدعي قدرته على تجاوز ما أفرزته الحالة العربية والثورات العربية بدون التجاوب مع استحقاقات هذه المرحلة، فإنه واهم، بل أن الحكومة ترتكب خطأ في حق نفسها وفي حق الأردن، إن هي تجاهلت ارتدادات الحالة العربية، وأمعنت في إدارة ظهرها لمتطلبات الإصلاح، فاللحظة الزمنية دللت أن هذا الإصلاح ضروري ومفيد للأردن الدولة والنظام السياسي والشعب.
وفي الوقت ذاته، فإننا نرى أن استمرار الحراك الشعبي وتوجيه كل القوى التي تنشد الإصلاح مسألة لا يجوز التباطؤ في إنجازها، فالإطار الوطني الجامع لكل المناضلين من أجل الإصلاح هو الذيب يوفر الوقاية والحماية للهدف وللقائمين عليه وهو صمام الأمان في مواجهة دعاة الفتنة والانقسام.
إن الحديث الخادع والخطاب المضلل للحكومة عن الإصلاح والممارسة المناقضة لهذا الخداع والذي كشف نفسه بأكثر من صورة وأكثر من مسلك، هذا الخطاب لن يكون مقبولاً بعد اليوم من القوى الشعبية التي تصر على الإصلاح ولا غير الإصلاح.