التكفيري/ الإرهابي يمثل مجنِديه لا ذويه / بقلم حسني عايش
العملية الإرهابية الخسيسة الأخيرة التي استهدفت مكتب المخابرات في البقعة، هي أحد تجليات تيار التكفير/ الإرهاب الذي ابتُلي به المسلمون؛ العرب وغير العرب، وبقية العالم في هذا العصر. ولا لزوم لإعادة الحديث هنا عن نشأته ورموزه وعملياته وكلفته البشرية والمادية والأمنية، وبخاصة على الإسلام والمسلمين الذين صاروا مكروهين أو منبوذين من بقية الشعوب والدول، فهي معروفة.
يكفي أن نتذكر أو ندرك أن التكفير/ الإرهاب جعل كل إنسان في هذا العالم متهماً، يقف أمام جهاز التفتيش الإلكتروني واليدوي عند كل معبر، وربما يُفرض عليه خلع ملابسه وحذائه ليبرأ ويمر؛ فما ذنْبي أو ذنْبك أو ذنْبه حتى يعاني ويذل ويهان؟!
تفيد الإحصاءات الدولية أن أكثر من ثلاثة مليارات من البشر يسافرون كل عام، ويتعرضون بالتالي، وربما عدة مرات في اليوم، لهذه المعاناة والمهانة. كما يعاني ويهان بقية البشر في بلدانهم عند دخول أي مؤسسة عامة أو شركة أو موقع. ولما كان الأمر كذلك، فإن كثيرين يشتمون المسلمين في أنفسهم أو علناً.
وأعود إلى العملية الإرهابية الخسيسة لأذكر القراء الكرام أن الإرهاب يعني -بإيجاز- قتل الناس المصادفين لتحقيق أغراض سياسية. ومن ثم، فلا توجد معرفة مسبقة أو علاقة شخصية أو ثأرية في الأصل بين الإرهابي القاتل والضحية أو الضحايا، وإلا كان العمل اغتيالاً. ولذلك، لا يجوز بحال نسبة الإرهابي القاتل إلى أصله، أو فصله، أو عائلته، أو بلده… لأنه ليس لأي منها علاقة بما فعل بعدما هجرها أو اختُطف منها على يد إحدى الجماعات الإرهابية. إن هويته الوحيدة هي هوية التنظيم التكفيري الإرهابي. ويجب على كل واحد منا نزيه الضمير وسليم التفكير وشريف السلوك، أن يضع هذه المعلومة كحلقة في أذنه، لأنه قد يُفاجأ -وقد حدث ذلك فعلاً- بأن ابنه، أو ابن أخيه، أو عمه، أو عشيرته، أو قريته، أو بلده، هو الفاعل. إن كل من يتجاوز هذا المفهوم يخرج عن الإجماع الوطني المعادي للإرهاب، ويشجع على الفتنة.
لكن المطلوب، وعلى مدار الساعة، تفكيك البنية التحتية للتكفير/ الإرهاب التي تختطف الأطفال والفتيان والفتيات والشباب والشابات وتزجهم بتنظيمات الإرهاب. إننا لا نرى عملية التفكيك تتم غير عبر قيام الأجهزة الأمنية بإحباط محاولاتهم الإجرامية، فيما التعليم في بلاد المسلمين؛ العربية وغير العربية، في رياض الأطفال والمدارس والجامعات، ما يزال غالباً تكفيرياً، والإعلام الرسمي فيها وبخاصة في الإذاعة والتلفزيون، داعشي نصاً وشكلاً وزياً، ومواقع التكفيريين الإرهابيين على صفحاتهم الإلكترونية مستمرة في التحريض والتهديد والاستقطاب واغتيال الشخصية.
إن مهادنة هؤلاء خطأ فادح. وخروجهم من السجن وهم يحملون الفكر الإرهابي أخطر، لأنهم يعتبرون المهادنة بمثابة انحناء لهم أو خوفاً منهم، وخروجهم من السجن انتصاراً لفكرهم؛ فيزدادون أتباعاً وتهديداً. وقد يندفع أحدهم أو مجموعة منهم للإقدام على ارتكاب الجريمة الشنعاء في الناس المصادفين.
وبما أن تصفية “داعش” وأشكاله تسير على الطريق السريع، فإن الضغط على خلاياها النائمة يتصاعد لإبقاء الطريق سالكة للدولة والخلافة، وإلا فعلي وعلى أعدائي ما دامت الجنة والحوريات هي البديل “الذي ينتظرني”.