التطبيع الإعلامي؛ معايير ومحددات!
لطالما تحدث الكثيرون عن خطورة التطبيع الإعلامي لاعتبارات كثيرة أهمها أنه يؤسس لبداية تزييف للوعي الجمعي، هذا الوعي والذي باللاوعي نشأ على اعتبار “اسرائيل” كيانًا استعماريًّا توسعيًّا وعدوًّا للشعوب.
وربما يكون الحديث عن مخاطر التطبيع بشكلٍ عام ومعاييره بشكلٍ خاص، حديثًا مُستَهلكًا، ولكن طالما أن قاطرة التطبيع لم تتوقف بل تزداد، ويتم خرق معايير مقاطعة العدو ومناهضة التطبيع معه يوميًّا، فضلًا عن أساليب التحايل التي يستخدمها البعض ممن يروّج للعلاقات معه، فإنه من الضروري التوضيح والتفسير انطلاقًا من فهمنا لتلك المعايير، وحتى لا تبدو وكأنها مثار جدل هو بحقيقة الأمر جدل مُصطنع ليس مبنيًّا على أسس وطنية وأخلاقية.
الضخّ الإعلامي في ترويج التطبيع!
في الآونة الاخيرة، ومع ما شهدته المنطقة العربية من هرولة للتطبيع، وتسارع لإقامة اتفاقيات مع العدو، بدأت الماكينات الإعلامية الموجّهة بالضخّ بكل الوسائل للحديث عن أهمية تلك العلاقات، وحملت على عاتقها تجميل صورة وصفحة “اسرائيل”، فبدأت تستضيف على منابرها ممثلين عن الاحتلال لتُتيح المجال أمامهم ليدافعوا عن جرائم الحرب التي ارتكبوها ولا يزالون ضد الإنسانيّة، ويبرروا استيطانهم وتهويدهم للأراضي والتوسع في إقامة مستعراتهم.
كذلك، فإن ثمة مسألة في غاية الأهمية ازدادت مؤخرًا، حيث تقوم بعض المحطات الفضائية بالجمع بين ممثلين عن الاحتلال وعدد من الشخصيات الإعلامية أو السياسية العربية، في برامج تلفزيونية وكأن الصراع العربي “الاسرائيلي” قائم على وجهات نظر، فالمحظور من حيث المبدأ هو القبول بإجراء تلك المقابلات، وهنا اقتبس ما قاله الشهيد الأديب غسان كنفاني “إن الجلوس مع العدو -حتى في استوديو تلفزيوني- هو خطأ أساسي في المعركة، وكذلك فإنه من الخطأ اعتبار هذه المسألة مسألة شكلية”.
الانسحاب من اللقاءات، ما بين مؤيِّد ومتحفِّظ!
في كل مرة ينسحب فيها ضيف عربي من مقابلة تلفزيونية بسبب وجود ممثل عن الاحتلال، تخرج بعض الأصوات التي تنتقد هذا التصرف معلّلة رأيها بأنه “أخطأ وكان يجب عليه أن يستمر في المقابلة ليقنع بالمحاججة الضيف “الاسرائيلي” بوجهة النظر التي يحملها”، فالمسألة هنا وكما نراها ليست وجهات نظر ولا مناظرات ليكسبها في حال استمراره، بل ان الأساس هو عدم قبول الجلوس معه، حتى لا تُزال عنه وما يمثل الحواجز النفسية التي هي ذاتها يسعى إليها العدو، فالعدو لا يريد بالدرجة الأولى أن يبقى منبوذًا بصرف النظر عن نتيجة تلك اللقاءات، فالحوار بحد ذاته يمثل اعترافًا صريحًا بوجود رأي آخر، وهو بحقيقة الأمر ليس رأيًا، إنما صهيونيًّا ارهابيًّا يسعى لإزالة صفة الاستعمار عنه.
الإعلام الصهيوني ومنصات التواصل الاجتماعي في خدمة العدو!
إن ما ورد أعلاه يُقاس على العديد من الأمور، لعلّ أهمها، عدم التعامل مع الأخبار المُزيّفة التي تتداولها الصفحات “الاسرائيلية”، أو مشاركة منشورات “المُستشرقين” الصهاينة كإيدي كوهين أو غيره، أو التعليق على منشوراتهم حتى لو كانت بالشتائم فإنها كذلك تُسهم ولو عن غير قصد في تحقيق ما يسعى/ أو تسعى إليه، وهو إزالة الحاجز النفسي والعدائي المفروض على العدو ووسائله الإعلامية؛ ولا يُغفل ما تسعى إليه الوسائل الإعلامية” الاسرائيلية” من استضافة شخصيات عامّة عبر وسائلها حتى وان كانت مناهضة للعدو، فإن الاخير لا يعنيه ما تقوله تلك الشخصيات، فالهدف الذي يرمي اليه هو تصدير نفسه على أنه “ديمقراطيًّا” يتقبل “الرأي الاخر”، وبذلك يحقق هدف يتمثل بتجميل صورته وتبييض جرائمه وعدوانيته أمام العالم.
وفي ذات السياق، وقياسًا على معايير المقاطعة والخاصة بالمقاطعة على الصعيد الاعلامي، فإنه يحظر المشاركة في اللقاءات التي يتواجد بها “إسرائيليين” في غرف الدردشة أو التطبيقات الخاصة بها، وعلى سبيل المثال لا الحصر التطبيق الحديث “كلوب هاوس”، وغيره من المنابر المفتوحة، لأن ذلك يساهم في إزالة العزل عنهم.