مقالات

التشاؤم يخيم على المؤشرات الاقتصادية العامة/ بقلم: عبدالمجيد الخندقجي

أبدى محللون اقتصاديون محليون وخبراء وتقارير اقتصادية دولية تشاؤماً مفرطاً تجاه الوضع الاقتصادي في الأردن، ومعالجة الملفات والتحديات الاقتصادية الراهنة والمتوقعة.

فقد حدد المحللون الاقتصاديون المحليون خمسة ملفات اقتصادية على الأقل مطروحة للمعالجة وإيجاد الحلول لها وهي الطاقة والتعليم، والإدارة العامة للدولة والاستثمار والمديونية العامة. فيما ركزت التقارير الصادرة عن البنك الدولي وبعض الخبراء الغربيين على ملفي عجز الموازنة العامة والمديونية، فعن هذين الملفين الكبيرين ينبثق ملفات أخرى كثيرة.

بالنسبة للطاقة، يستورد الأردن حوالي 97% من احتياجاته من الطاقة بكلفة 4,8 مليار دينار وهي بارتفاع متواتر، وقد نتج ذلك عن استيراد النفط بديلاً عن الغاز المصري، مما فاقم من أزمة المديونية وعجز الحساب الجاري، وساعد في ذلك التباطؤ في نمو الصادرات بسبب الأحداث في سوريا والعراق وتمدد داعش في المنطقة.

دعومات الطاقة تذهب بشدة إلى الأغنياء الذين يستهلكون وقوداً وطاقة أكثر من الفقراء، وقد بلغت حصة الأغنياء من دعومات الوقود 45% فيما وصلت في اليمن 40% وفي مصر 60%، وينفق العُشر الأفقر من الشعب 4.6% من دخله على الكهرباء، بينما لا يتعدى ما تنفقه النسبة الأغنى الــ 2%، وقد انتقد تأخر الأردن في التوجه للطاقة البديلة وكذلك الاحتكارات التي أوصلت الأردن إلى أزمة الطاقة.

أما ملف التعليم والذي يتشعب عنه ملفات أولها ارتفاع نسبة البطالة لعدم ربط مخرجات التعليم بحاجة سوق العمل، فهو يساهم بإلحاق أضرار كبيرة في الاقتصاد الأردني، ويأتي ذلك في ظل إدارة الدولة العامة التي أصبحت مشلولة ومترهلة إضافة إلى البيروقراطية، ما أدى إلى حشو القطاع العام بالبطالة المقنعة غير المنتجة.

وحول الإدارة العامة للدولة، تحدث الخبراء الاقتصاديون عن غياب ما وصفوه مبادئ الحوكمة الرشيدة ما أدى إلى انتشار المحسوبية وتجاهل الكفاءات فقد أدى ضعف الممارسات الديمقراطية إلى فرض العديد من المدراء بدون النظر إلى مسارهم الوظيفي وقدراتهم، وذلك بقرارات سياسية ذات علاقة بتوزيع المناصب العليا في الدولة على أبناء الطبقة الواحدة السياسية الحاكمة.

كما وأدى غياب الرقابة إلى انتشار الفساد مثل التساهل في إنفاق المال العام حتى وصلت نسبة الهدر في الموازنة العامة من 15 – 20% حسب وزير المالية أمية طوقان، فكان أحد أبرز النتائج السلبية لانهيار إدارة الدولة في تأسيس مؤسسات مستقلة غير ضرورية لتغطية ضعف أداء الدوائر العامة والوزارات ودون إخضاع العديد منها لمعدلات رواتب الخدمة المدنية، ودون وضعها تحت الرقابة البرلمانية.

فمثلاً عندما كان عدد هذه المؤسسات عام 2002 حسب أحد المحللين 32 وحدة قدمت هذه الوحدات للخزينة إيرادات بلغت 126 مليون دينار، أما اليوم وقد بلغ عددها 64 وحدة فقد بلغت نفقاتها 1,829 مليار دينار، وبلغ دعم الحكومة لها 268 مليون دينار وزاد عجزها عن 1,100 مليار دينار.

وفيما يتعلق بالاستثمار، فقد ربط المحللون عرقلة الاستثمار بالتشريعات، وعدم وجود نافذة استثمارية واحدة تسهل على المستثمر الحصول على الأوراق المطلوبة إضافة إلى فاتورة الطاقة والتشوه الضريبي وارتفاع الجمارك على المواد الخام.

يقول د. خالد الوزني، أن تحريك عجلة الاقتصاد لا يتم إلا بتشجيع الاستثمارات أكثر، فإذا أردنا الوصول إلى معدلات نمو اقتصادي أفضل لا بد من جذب استثمارات أكبر واستغلال تنافسية الاقتصاد.

ويعد ملف كل من المديونية والعجز من أهم وأخطر الملفات، ففي الوقت الذي تشير فيه الأرقام والمعطيات الرسمية إلى أن المديونية العامة أصبحت تشكل 80.2% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد توقع تقرير البنك الدولي أن يصل إجمالي الدين العام إلى 90.6% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما سوف يتسع عجز الحساب الجاري إلى 11.3% بسبب ارتفاع واردات الطاقة والتباطؤ في نمو الصادرات.

وما يزيد الأمر سوءاً ارتفاع خدمة الدين العام في بند النفقات الجارية من 800 مليون دينار العام الماضي إلى 1,100 مليار دينار العام الحالي 2015.

إن المشكلة كما يتفق جميع المحللين ليست في الدين نفسه، وإنما في البنود التي ينفق عليها هذا الدين حيث غالباً ما تنفق على تغطية النفقات الجارية والتي لا تعود بإيرادات مستقبلية على الاقتصاد كما وأنها لا تنفق على مشاريع مكثفة للعمالة وموفرة لفرص العمل، وتكمن أيضاً في عدم القدرة على السداد وهو المهم، حيث يفقد الدائنين الثقة في الاقتصاد الأردني وبسياسات الحكومة.

ويترافق مع المديونية، ملف عجز الموازنة الذي أصبح عجزاً هيكلياً ومزمناً، فقد عانى الاقتصاد الأردني عجزاً مالياً ضخماً منذ عدة سنوات وصل إلى ما نسبته 14.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحسب مدير السياسة الضريبية في معهد واشنطن ديفيد شينكر الذي عزا هذا العجز إلى الأحداث الأمنية في المنطقة إلى ما قيمته 3 مليار دولار، أما توقعات البنك الدولي فيصل العجز إلى 14.7% خلال العام الحالي 2015 إذا تم استثناء المنح المقدمة للأردن.

ومن المشكلات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد الأردني، العجز عن خلق فرص عمل حسب ديفيد شينكر حيث تبلغ نسبة البطالة 12% وفق الأرقام الرسمية على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن الرقم الفعلي أكثر من ذلك، وقد وصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب حوالي 30% وتناول شينكر ملفي السياحة والبورصة أيضاً، حيث يرى أن عدم الاستقرار في المنطقة أعاق السياحة في الأردن بشكل كبير، وقارن شينكر بين عدد الزائرين عام 2010 وقد بلغ 142 ألف سائح بينما لم يصل الأردن سوى 78 ألف زائر في نيسان عام 2015، وبالنسبة لأداء البورصة، فقد بلغ إجمالي القيمة السوقية عام 2014 ما قيمته 25 مليار دولار، بانخفاض 30% عن العام الذي سبقه.

نلاحظ من هذا العرض الموجز للملفات الاقتصادية أن الاقتصاد يعاني من اختلالات هيكيلية تتعلق بغياب إصلاحات جذرية ليست اقتصادية فحسب بل سياسية أيضاً، وهذا ما يلاحظه المتتبع في انهيار الإدارة العامة للدولة، وليس في حالة عدم الاستقرار في المنطقة كما يزعم بعض المحللين، ولا يمكن أن تجد أي حكومة حلاً لهذا التدهور الاقتصادي من خلال ترشيد النفقات الجارية التي بلغت 6,800 مليار بزيادة 11% عن العام السابق، حتى أصبحت كل التحصيلات الضريبيبة وهي تشكل نسبة عالية جداً في الإيرادات العامة لا تكفي لتغطية النفقات الجارية للجهاز الحكومي، وإنما بإعادة النظر في كامل السياسة الاقتصادية القائمة على اقتصاد السوق، وكذلك إعادة النظر في تركيبة النظام السياسي وهي تركيبة طبقية لأن الحكومة الحالية أو ما سبقها من حكومات لا تعمل من بنات أفكارها، وإنما بإشراف وإدارة التحالف الطبقي الحاكم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى