نداؤنا

التحدي والاستجابة

ثمة توافق رسمي وشعبي على التحديات التي تواجه الأردن، هذه التحديات التي سأتعرّض لها لاحقًا، لكني أود الإشارة بداية إلى أن الخلاف الرسمي والشعبي ليس في الإقرار بهذه التحديات، بل يتمثل في الكيفية التي تصلح لمواجهة هذه التحديات.

أبرز هذه التحديات هي أزمة الثقة بين الشعب والحكومة. هذا ليس اتهامًا، بل هو واقع يعكسه السلوك الحكومي غير المفهوم وغير المبرر.
كيف تفسّر الحكومة التدخّل الفجّ في انتخابات نقابات المهنية وتشويه صورتها بعد أن كانت أنموذجًا للنزاهة، وأفقدتها استقلاليتها بعد أن كانت مثالًا للهيئات المستقلة؟
كيف لنا أن نفهم قرار المحكمة الدستورية التي طعنت بعدم دستورية نقابة المعلمين، مع أن المحكمة الدستورية هي التي شرّعت وأفتت بدستورية نقابة المعلمين عند تأسيسها؟
كيف لنا أن نفهم حلّ المجالس البلدية قبل مدّتها القانونية بدون مبرّر وبدون تعليل مقنع؟
كيف يمكن قبول تدخّل الهيئة المستقلة للانتخابات في شؤون الأحزاب بدون سند قانوني؟
كيف يمكن تفسير منع المنتديات من إقامة الندوات بعد أن أقدمت على منع المسيرات والوقفات الاحتجاجية؟

هذا تلخيص مكثّف لواقع الحريات العامة، بعد أن أخذ قانون الجرائم الإلكترونية مداه ومجده! وتسبب في محاكمة وتوقيف العديد من الشباب الأردني.
ألا تُشكّل هذه الصورة المتناقضة بين الحديث عن تحديث وتطوير الحياة السياسية وواقع الحال أزمة ثقة خانقة بين الحكومة والشعب؟
هل نستطيع مواجهة تحدّي التهديد الذي يشكّله العدو الإسرائيلي، والذي يعبّر عنه ليل نهار، بهذا الحال؟
هل نستطيع محاربة ثنائية الفقر والبطالة والفساد في ظل سياسة تكميم الأفواه؟
هل نستطيع تقليص المديونية وضبط الإنفاق وحكومتنا لا تعير بالًا لتقارير ديوان المحاسبة؟
هل تعتقد الحكومة أنها إن أغمضت عيونها أو تغافلت عمّا تعيشه منطقتنا العربية من اضطرابات، أنها تستطيع حماية الأردن من المخاطر؟
أم أنها تعيش في وهم الوعود الأمريكية؟

هذه أمريكا التي لا تحافظ على كلمة رئيسها مدة ٢٤ ساعة، لا يمكن الركون إليها.
التاريخ وتجارب الغير دلّلت أن الاعتماد على الذات أولًا وثانيًا وآخرًا، وهذه الذات لا تفعل فعلها ولا تبرز قوتها إلا من خلال الاستماع إلى صوت الشعب والتفاعل معه، والالتفات إلى مطالبه.

فالاستبداد لم يفلح يومًا في حماية الشعوب ولا في تطويرها.
كيف يمكن لشعب يشعر بعدم المساواة وغياب العدالة أن يثق بحكومة تقول وتعمل عكس ما تقول؟
إنني أؤكد أن الالتفات إلى العمق العربي والانطلاق من رؤية ذات بعد قومي عربي ومقاوم، هي التي تحمي الأردن وتجعله لاعبًا سياسيًا فاعلًا.
إن من أهم أسباب ضعف الأقطار العربية هو عدم إيمان حكّامها بها، وعدم قناعتهم بقدرتها وبحقها في الاستقلال، الأمر الذي أبقاهم أسرى الارتهان للأجنبي.

إن الاعتقاد بأن مصادرة الحريات وإبراز القبضة الأمنية يمكن أن يحمينا مما ينتظرنا من أخطار، ليس إلا خداعًا للذات وسرابًا.
أخيرًا، أقول إن ٢٢ شهرًا من الصمود الفلسطيني في مواجهة الإجرام الصهيوني لا يعني إلا شيئًا واحدًا:
أن المقاومة، والمقاومة فقط، هي الدرع الواقي لأوطاننا من المحيط حتى الخليج، وهي الحل ولا حل سواه.

اظهر المزيد

د. سعيد ذياب

د. سعيد ذياب الأمين العام… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى