مقالات

“البوسطة” كود سري لتعذيب الأسرى وإذلالهم

ما يُعرف بالبوسطة هي عبارة عن سيارة لنقل الأسرى بين السجون والمحاكم، وهي حافلة مصممة على طراز السجن من الداخل مقسمة إلى قسمين مقدمة الحافلة وتضم اثني عشر كرسياً مصنوعة من الحديد بدون فرش، وبدون مساند وتتسع الى 24 أسيراً.

يجري إحكام إغلاقها ببوابة من حديد، ومؤخرة الحافلة مقسمة إلى قسمين يمتدان طويلاً حتى نهايتها ولكل واحدة باب حديدي يجري إغلاقه من الخارج، ومنه كرسي يمتد على طوله وعرضه، وممر ضيق يفصله عن الباب الحديدي ويوضع فيه إحدى عشر أسيراً أو أكثر في بعض الأحيان، فيه زنازين متقابلة ضيقة مصممة لأسيرين ويوضع فيهما المعزولين، أو المحظور اختلاطهم بالأسرى العاديين، ونوافذ الحافلة مشبّكة من الخارج والزجاج الداخلي مطلي باللون الأسود حتى لا يرى الأسير شيء بخارج الحافلة.

ويجري تجهيز الأسرى للنقل قبل وصول البوسطة حيث يوضع الأسرى في زنازين خاصة “غرف انتظار” بعد تفتيشهم جسدياً وتفتيش حقائبهم، وقد ينتظر الأسير ساعات حتى وصول الحافلة ولدى وصولها تقوم أولاً بإخراج حمولتها، وبعد ذلك تقوم بتقييد الأسرى من خلال الفتحات في منتصف باب غرفة الانتظار. وبعد إتمام العملية يجري إخراجهم فرادى وتقييد أرجلهم ووضع حقائبهم في خزائن في جدار الحافلة ثم تفتيشهم من قبل جنود الوحدة الخاصة التي تُسمى وحدة “النحشون” وهم رجال خشنون يعملون كآلات صماء، وغالباً ما يصطدم معهم الأسرى في داخل الحافلة، وإضافة لهم هناك الكلاب المدربة.

تقوم وحدة “النحشون” بتفتيش الأسرى وإصعادهم إلى الحافلة وتوزيعهم على الأقسام وتفقد العدد والأسماء وهذه العملية تستغرق في الغالب أكثر من ساعة وتتوقف في طريقها حتى تصل أول سجن في طريقها سيتم إنزال الأسرى، وتجهيز آخرين للصعود إليها، وفي هذه الحالة قد تستغرق من ساعة إلى ثلاث ساعات، ونادراً ما يستجيب رجال الوحدة لطلب قضاء الأسرى لحاجاتهم وإذا حصل يكون بعد مشادّات أو عراك. وعليه فإن مسار الحركة في الشمال والجنوب يصب في مراكز تجمع (معبار سجن الرملة) وهو مركز وتوزيع التجمع للأسرى بين السجون الموزعة في الشمال “مجدو، جلبوع، شطة ، الجلمة”، مجمع الوتر “الدامون ” مجمع “الهشارون” الذي يضم كل من النساء والأطفال دون سن الثامنة عشر، إضافة إلى سجن “هداريم”، فضلاً عن سجون الجنائيين “هشارون، اوفكيم، سجن عسقلان، سجن الجنوب، وسجن جنوب النقب، ومجمع نفحة، وريمون والسبع”، كما يوجد مراكز تجميع موسعة على “مجدو الهشارون والجلمة في الشمال وآخر في الجنوب وسجن بئر السبع”.

وتتلخص معاناة الأسرى في قصة النقل من سجن إلى آخر أو إلى المحكمة فيما يلي:

  1. طول فترة الانتظار في غرف غير صحية وانتظارهم لعملية النقل وانتظار البوسطة.
  2. طول المدة التي تستغرقها عملية نقل الأسرى إلى مراكز التجميع المركزي، حيث تبدأ العملية من الساعة السابعة وقد تصل الحافلة إلى الساعة السابعة مساءً، إضافة إلى ساعة لتفريغها، وهنا يضطر الأسير لعدم تناول الماء والطعام حتى لا يحتاج إلى الحمام، والفترة التي يقضيها الأسير مقيداً على مدار الساعة.
  3. تقييد أرجل الأسير بالقيود لفترة تصل إلى 15 ساعة خاصة المنقولين إلى المحاكم، حيث لا يجري فك قيود أيديهم وأرجلهم في غرف الانتظار في المحكمة.
  4. التعب الجسماني جراء الجلوس لفترات طويلة على مقاعد حديدية.
  5. استغراق بعض الرحلات لأيام ذهاباً وإياباً للمنقولين إلى المحاكم.
  6. المعاناة من الجوع حيث لا يقدم للمنقول سوى وجبة سريعة واحدة على مدار رحلة الحافلة وأحياناً لا تقدم.
  7. رفض الحاجة للحمام خاصة للمرضى ومماطلة “وحدة النحشون” في تلبية طلباتهم الأمر الذي يضطرهم لقضائها بالحافلة.
  8. الشعور بالاستفزاز جراء عملية التفتيش وخشونة وحدة “النحشون” والتعرض الأسرى منهم بالضرب والرش بالغاز السام أو اعتداء الكلاب عليهم، في الغالب يتعرضوا للتنكيل جراء تضامنهم مع هذا الأسير أو ذاك.
  9. يعاني المنقول صيفاً من حرارة الجو لعدم وجود المراوح في التجمع، أو المعاناة من البرد الشديد إذا كانت الرحلة في الشتاء لعدم توفر أجهزة التدفئة.

 نماذج لمسار البوسطة:

  1. النقل من سجن “مجدو” حتى يجري فيه تجهيز المنقولين من الساعة السادسة لتتحرك البوسطة في الساعة السابعة لتمر إلى سجون (شطة جلبوع مجمع هشارون وأخيراً الرملة)، وتصل البوسطة إلى هذا المجمع بين الخامسة والسادسة ويجري إنزالهم إلى غرف التجمع، وقد تستغرق أكثر من ساعة.
  2.  المنقول إلى سجن الجنوب يضطر إلى أن يبقى في أقفاص حديدية حتى تصل البوسطة التي تنقله إلى مركز تجمع للانتظار، حيث تصل البوسطة غالباً بين الساعة الحادية عشر والواحدة بعد  منتصف الليل. وفي اليوم التالي يجري إعداده للنقل إلى السجن المحدد والأسير المنقول للسجن الوسط والشمال، ويصل إلى الرملة ما بين الخامسة والسادسة، وقد يتم دخولهم التجمع الساعة السابعة والثامنة حسب جاهزية الشرطة في مركز يجري اعداه اليوم الثاني من الساعة الخامسة صباحاً، وتتحرك البوسطة في الساعة الثامنة صباحاً، وتمر عبر السجون المحددة سابقاً، وتستغرق الرحلة ساعة اذا كان النقل إلى “هداريم” وتسعة إلى عشر ساعات إذا كان النقل إلى “شطة وجلبوع” أو إلى محكمة “عوفر” أو إلى محاكم القدس في الشمال تستغرق الرحلة من السادسة والسابعة حتى الساعة الخامسة أو السادسة، ويدخل غرف الرملة في السابعة. وفي اليوم التالي يبدأ تجهيزه في الساعة السادسة لتتحرك البوسطة في الساعة الثامنة وتصل إلى “عوفر” أو محاكم القدس في الساعة التاسعة ويمكث في غرف الانتظار مقيداً في الأرجل حتى السابعة مساءً بعد عودته الى الرملة ليواصل رحلته في اليوم الثاني الى سجون الوسط أو الشمال .
  3. المنقول إلى المحكمة من “هداريم وهشارون” إلى محكمة “عوفر” أو إلى محكمة القدس يجب تجهيزهم من الساعة الثامنة ووضعهم في غرف الانتظار حتى الرابعة والنصف والخامسة، ويجري ترتيبهم ووضعهم في البوسطة حتى تنتظر تجمع الأسرى الأطفال في “هشارون وهدرايم” للتحرك في الخامسة ونصف صباحاً، وتصل عادة إلى السادسة والنصف ولا يتم إنزالهم إلى الرحلة فيما يظل في البوسطة أو يجري نقلهم إلى أخرى حتى يتم صعود آخر سجين مساره إلى محكمة “عوفر” أو القدس، وتتحرك البوسطة الساعة الثامنة لتصل الساعة التاسعة، ثم العودة إلى الرملة بين السابعة والثامنة مساءً، ويبقى الأسرى بالبوسطة حتى يتم وصول الأسرى من المحاكم واصعادهم إلى البوسطة، وقد تتحرك في كثير من الأحيان على العاشرة أو بعد هذا الوقت وتصل إلى الحادية عشر الى “هداريم” أو سجون مجمع “هشارون” وتستغرق عملية التفتيش نصف ساعة أو أكثر ليعود إلى غرفته قرابة الساعة الثانية عشر مساءً.
  4. المنقول إلى محكمة سالم إلى الجنوب يجب أن يصل إلى الرحلة حسب المسار المحدد سابقاً لينام في الرحلة في الرملة، وفي اليوم الثاني يسافر حيث يتم استعادته في مركز التجمع “مجدو”. في اليوم التالي يعود إلى مجدو للنوم، وفي اليوم الذي يليه يسافر إلى الرملة حسب المسار الموصوف له سابقاً ليتم استيعابه في أقفاص الانتظار حتى يعود المسافرين إلى “عوفر” بين أسرى سجون الجنوب لتتحرك البوسطة إلى مركز التجمع في السبع وذلك لقضاء ما تبقى من الليل، وفي الصباح يتم تجميعهم واعدادهم إلى العودة، وتصل الحافلة إلى مجمع “ريمون نفحة” وبعدها تتوجه الى سجن النقب.

هذه النماذج لمسار البوسطة ورحلات التعذيب سواء إلى النقل العادي أو إلى المحاكم أو العلاج المرضي. ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن البوسطة تقوم بنقل الأسرى السياسيين والجنائيين في نفس الرحلة من أجل توفير الوقت والراحة لرجال “النحشون” وضمان الأمن التي يتصدر سلم اهتمامات الوحدة. مع أن الفصل بين الأسرى السياسيين والجنائيين سيكون مريحاً لكلا الطرفين. وعليه فلا غرابة في أن يمتنع أسير مريض من السفر للفحص أو العلاج أو اختصار السير والتنازل عن حقه في الدفاع عن نفسه لانتهائه من مشقة ومعاناة وآلام السفر في البوسطة.

  • الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى