البطالة تتحول إلى شبح مرعب في الأردن
تعتبر البطالة من أخطر الهواجس المؤرقة للحكومات والشعوب في كل بلدان العالم، ومكمن الخطورة ينبع من النتائج الاجتماعية التي ترافق حالة التعطل عن العمل، وبالذات بين الشباب، حيث أن البطالة تشكل البيئة الخصبة لنمو الجريمة والتطرف وأعمال العنف والتمرد، مثل الاحتجاجات والاعتصامات.
وهي أمور بدأت تبرز في الأردن في السنوات الأخيرة في أسوأ تجلياتها. وارتفاع معدلات البطالة، يعني تراجع أو انعدام الحصول على الدخل، وهذا يؤدي إلى نمو عدد من يقعون تحت خط الفقر المطلق، والأردن مرشح لذلك بحسب تقديرات خبراء في البنك الدولي لأن ثلث عدد سكانه يقع في هذه الدرجة من الفقر. ذلك أن البطالة في الأردن تتسم بالقسوة والقهر والمعاناة الشديدة مثله مثل البلدان النامية والفقيرة لغياب نظم إعانات البطالة بعكس الدول الصناعية والرأسمالية. فالدول النامية كانت على الدوام حاضنة لهذه الآفة التي هي بالأصل أحد إفرازات النظام الرأسمالي الذي يتسم بفوضى الإنتاج والتوزيع وفائض القيمة.
والأخطر في البلدان النامية والفقيرة هو البيانات والتصريحات التي تفتقد إلى الصدق، وتتسم بالكذب والتضليل، إذ من الصعب أن تعثر على تقديرات موثوقة عن حجم البطالة والأسباب الحقيقية لهذه الآفة الخطرة.
وفي الأردن غالباً ما تتقارب التقديرات التي يطلقها المسؤولون، مما يصعب من وضع الحلول للتصدي لهذه المشكلة، فنحن نسمع ارقاماً واحصائيات متباعدة من المسؤولين ومن الصحف وخبراء صندوق النقد الدوليين بحيث يصعب معرفة المستويات الحقيقة للبطالة.
ولذلك، نلاحظ أن معدلات البطالة في تصاعد، إذ بعد أن كانت فد وصلت في السبعينيات من القرن الماضي إلى (1.8%) و(2%) و (12.5%) عام (1999) ها هي تقفز إلى (18.7%) في الربع الثالث من العام الماضي (2018) بارتفاع (2%) عن نفس الفترة من العام الذي سبقه (2017)، ونحن هنا نستند إلى تقارير دائرة الاحصاءات العامة التي يصعب الوثوق بها حسب عدد من المحللين الاقتصادين ويعتقد أن هناك انواع من البطالة غير البطالة الموسمية والهيكلية والبطالة الدورية والبطالة المقنعة لا يتم حسبانها وهي بطالة ما يطلق عليهم (المحبطون) أي الذين سعوا للعمل ولم يجدوه فكفوا عن طلب العمل، ومن المحتمل ايضاً احتساب عدد المتعطلين عن العمل نسبة إلى قوة العمل فقط إذ ان يلعقالحكومات في بعض البلدان ويحسب عدد المتعطلين عن العمل نسبته إلى السكان.
أسباب البطالة:
لا شك أن هناك اسباب تشترك فيها معظم البلدان التي تعاني من مشكلة البطالة مثل سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتحللها من التزاماتها الاجتماعية والاعتماد على آليات السوق وتراجع معدلات النمو الاقتصادي. وهذه الأسباب متوفرة في الأردن، إلا أن الأردن له أسباب أخرى خاصة مثل:
* عدم الاستقرار الذي ضرب المنطقة في السنوات الأخيرة وانغلاق اسواق الدول المجاورة مثل الطرق وسوريا.
* الاقتصاد الأردني ضعيف ومنهك بحيث لا يساعد على زيادة الطلب على العمالة.
* تراجع حجم الاستثمار خصوصاً الاستثمار المحلي وتركز المتوفر منه في العاصمة دون المحافظات الأخرى، فمثلاً يبلغ معدل البطالة في محافظة مادبا (28.5%) وفي محافظة إربد (15.7%).
* عودة أعداد كبيرة من العمالة الأردنية في دول الخليج.
* السياسة الانكماشية التي يفرضها صندوق النقد الدولي.
* التبعية الاقتصادية وتأثيرها السلبي داخلياً حيث أدت هذه التبعية إلى تراجع دور الدولة.
* زيادة الضرائب غير المباشرة (ضريبة المبيعات) والغاء الدعم وزيادة اسعار السلع، كل ذلك أدى إلى خفض حجم الدخل العائلي وهذا أدى الى الكساد الذي نتج عنه تكبد الشركات للخسائر وحالات الافلاس مما دفعها إلى تسريح العديد من العمال والكف عن الطلب.
* ارتفاع اسعار الكافة والنقل والذي يدوره أدى إلى ارتفاع تكاليف الانتاج المحلي وبالتالي عدم التوسع في الانتاج ومن ثم ضعف الطلب على العمالة.
* ومن أهم الاسباب سياسة التعليم وعدم قراءة الجامعات لحاجة سوق العمل الأمر الذي أدى إلى تصاعد معدلات البطالة الي مستويات متواترة فقد بلغت نسبة البطالة لدى حملة الشهادة الجامعية بكالوريوس وما فوق (24.5%) وحملة الشهادة الثانوية (52.6%)، أما البطالة في صفوف من يحملون أقل من الشهادة الثانوية فقد وصل إلى (47.4%) وحسب دائرة الاحصاءات العامة فقد وصل معدل المتعطلين عن العمل من الجامعيين من الذكور (28.4%) ومن الاناث (80.1%) بحيث اعتبر الأردن ثالث دولة في العالم من حيث عدد الاناث الجامعيات المتعطلات عن العمل، وتعمل واحدة من كل ست اناث.
ومكمن الخطورة هنا انتشار البطالة في صفوف الشباب من الفئات العمرية (20 _ 24) سنة حيث وصلت نسبة البطالة في الربع الثالث من العام (2018) ما مقداره (38.1%) في الثانية.
من الأسباب المهمة في ارتفاع معدلات البطالة تراجع الصادرات وأسبابها معروفة إلى جانب زيادة أعباء المديونية، التي تلتهم القسم الأكبر من حصيلة الصادرات.
البطالة ومعدلات الفقر:
من الثابت أن هناك علاقة طردية بين البطالة ومعدلات الفقر، إذ كلما ارتفعت مستويات البطالة ارتفعت معدلات الفقر، وفي هذا المجال أشارت تقديرات خبراء في البنك الدولي مؤخراً إلى أن ثلث سكان الأردن معرضون للوقوع تحت خط الفقر العام الجاري (2019) لأن التعطل عن العمل يتسبب في انخفاض إن لم يكن انعدام الدخل.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن ارتفاع اسعار المحروقات والطاقة، اضافة إلى الزيادات في الضرائب ساهم إلى حد كبير في زيادة عدد من يقعون تحت خط الفقر، كما اضر بقطاع الاعمال وضعف القوة الشرائية.
من هنا أصبح من المفهوم كيف يمكن التصدي لمشكلة البطالة، إذا كانت الحكومة الأردنية عازمة على ذلك وتمتلك الارداة السياسية والقرار السيادي وهو غير متوفر لمكافحة أو الحد من تفاقم المشكلة.
ومن الحلول الآنية للتصدي لمشكلة البطالة:
1_ حماية الانتاج المحلي من المنافسة، والذي يتطلب وقف تحويل الأردن إلى سوق استهلاكي للسلع الاجنبية.
2_ وقف عمليات نزع ملكية الدولة واستعادة ما يمكن استعادته من ملكيات الدولة التي جرى بيعها للقطاع الخاص الاجنبي والمحلي ايضاً.
3_ دعم القطاع الخاص في انشاء مشاريع كثيفة العمالة خاصة في المحافظات التي تعاني من تراجع معدلات النمو الاقتصادي.
4_ عدم الاعتماد على الاستثمار الاجنبي الذي ثبت أنه لم يدخل بلداً إلا ودمر اقتصادها وافقر شعبها.
5_ اعتماد صيغة الاقتصاد المختلط والخروج من سياسة اقتصاد السوق ونبذ مخططات الجماعات الليبرالية التي تشكل أذرعاً لصناديق النقد والاقراض الدولية.