البحث عن حرية الصحافة مستمر! / ماجد توبة
نحتفل مع العالم اليوم باليوم الدولي للصحافة، في الوقت الذي ما يزال فيه شعار رفع سقف الحريات الصحفية هو الطاغي والأساسي في هذا الاحتفال السنوي منذ عدة عقود، ما يطرح أكثر من سؤال وإشكالية، خاصة على المستوى العربي، قد تبدو مناقشتها من نوع السهل الممتنع!
المطالبة برفع سقف الحريات الصحفية عالميا، وعلى مستوى الوطن العربي بصورة أساسية يبدو للوهلة الأولى خارج سياق الثورة المعلوماتية والاتصالية والتقنية التي تتسيّد المشهد العالمي اليوم، وما حققته هذه الثورة من فضاءات تعبير وحريات واسعة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد والانفتاح غير المحدود في تأسيس فضائيات ومواقع إخبارية إلكترونية بميزانيات ضخمة، تبدو عند النظر إليها من السطح حريصة ومقاتلة بفتح الباب لمختلف الآراء ومن مساحات واسعة للمعارضات العربية.
عند مناقشة واقع الحريات الصحفية، وسنقصرها هنا على الواقع المحلي والعربي، لا يمكن إلا الإقرار بأن سقف الحريات الصحفية والتعبير السياسي قد شهد نقلة كبيرة خلال العقدين الاخيرين، وبتسارع مطر، مع طغيان مواقع التواصل الاجتماعي وما اتاحته من فضاءات رحبة للأغلبية العربية، إضافة إلى توسع خيارات اللجوء لقنوات الأخبار العربية والعالمية، وما تقدمه من تنوع وسقوف في التغطيات والآراء، إلى الدرجة التي يبدو فيها مفهوما شيوع انطباع بأن مثل هذه الثورة الاتصالية والتقنية كان لها دور أساس بانطلاق وتنظيم ثورات الربيع العربي.
إلّا أن ذلك؛ في العمق من القضية، قد يبدو أمرا مخادعا ومضللا، فكل هذا الانفتاح بالفضاء الإلكتروني والإعلامي إلى حد الفوضى عربيا لا يعكس بالضرورة ارتفاع سقف الحريات وتدفقا حرا للمعلومات والآراء للمواطن العربي، فدون ذلك الكثير من القيود الرسمية العربية، حيث سيطرة الحكومات العربية ورؤوس الأموال التي تعمل باسمها على كبرى الفضائيات الاخبارية والعامة وعلى المواقع الاخبارية الإلكترونية يبقي هذه الوسائل الإعلامية أداة، وأداة فاعلة، في سياسات الرسمي العربي تصوغ وتوجه الرأي العام وتستقطبه بهذا الاتجاه أو ذاك.
ولم ينج حتى الإعلام الحديث ومواقع التواصل الاجتماعي من هذا النفوذ الطاغي للحكومات العربية، بعد أن اكتشفت اهميته الكبيرة وجندت له ما بات يعرف بهذا العالم بـ”الجيوش الإلكترونية”، لتوجيه الرأي العام أو حرف اهتماماته أو الهائه بقضايا فرعية، أو فتح المعارك والحروب السياسية والفكرية والثقافية.
إن نظرة ثاقبة إلى تأثير الاعلام العربي، تحديدا الفضائي الكبير الممول من حكومات، خلال العقد الأخير تكشف حجم التوظيف السياسي لهذا الاعلام وقوة تأثيره بخدمة الاجندات السياسية، رغم انه ساهم برفع سقف الحريات، لكنها الحرية المضبوطة على ساعة الممول واجندته.
في السياق، يمكن تلمس حجم الاستقطابات والانقسامات في صفوف المواطنين العرب، التي قادت معركتها (أي هذه الاستقطابات) كبرى وسائل الاعلام العربية العابرة للحدود، وبما يصب بمصالح واجندات هذه الطرف او المحور الرسمي العربي او ذاك. وجاءت اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدا “فيسبوك” و”تويتر” بانتشارها والاقبال الكبير على استخدامها، لتعزز من معركة الاستقطاب والانقسام بجهود رسمية كبيرة وبتمويل كبير.
نتحدث هنا عن الاستقطاب الذي يأخذ طابعا طائفيا وايضا سياسيا وفكريا بين التيارات، وكذلك الاستقطاب الشعبي كما في بعض الازمات العربية الاخيرة، التي بات فيها الانقسام حتى على اساس الجنسية! في كل ذلك يظهر الاعلام ونفوذه وتأثيره سلاحا رئيسيا وطويل المدى لخدمة السياسي والرسمي!
لكل ذلك، قد لا يبدو غريبا استمرار شعار رفع سقف الحريات الصحفية مطروحا كل عام، وحقا انسانيا ودستوريا غائبا أو ناقصا للمواطن العربي، رغم كل وهم الحرية الظاهرة الصورة!