الانتفاضة الشعبية في شهرها السابع/ بقلم: راسم عبيدات- القدس المحتلة
تدخل الانتفاضة الشعبية شهرها السابع باشتباك انتفاضي يحافظ على مظاهره العامة من طعن ودهس وإلقاء زجاجات حارقة وغيرها من مظاهر الكفاح والفعل الشعبي. ورغم كلّ القوة وجبروت وطغيان الاحتلال وما استخدمه ويستخدمه من إجراءات وممارسات قمعية وإجرامية والتي باتت أكثر «تغوّلاً» و«توحّشاً» مثل عمليات الإعدام الميداني، كالتي رأينا آخرها بحق الشهيد عبد الفتاح الشريف، وجدنا بأنّ «إسرائيل» تفشل بقوة في إخماد ووأد هذه الانتفاضة والتي أصبحت ترى فيها تحدّياً وجودياً لها، كما هو حال حركة المقاطعة BDS .
«إسرائيل» فشلت في إنهاء الانتفاضة، وسآتي على ذكر التفاصيل في المقالة، وفي المقابل نحن حتى اللحظة الراهنة فشلنا بامتياز كقوى وأحزاب في تحويل الاشتباك الانتفاضي إلى خيار سياسي يتجاوز أوسلو والانقسام. وما زال هذا الاشتباك الانتفاضي يسير بدون قيادة وأهداف وطنية موحّدة، وتغيب عنه الركائز الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية الموحّدة.
الانتفاضة تتعرّض لمخاطر جدية عدة، يُراد منها ذبحها. فالاحتلال «المتغوّل» و«المتوحش» في ظلّ سلطة منهارة يصعّد من هجومه السياسي، وفي الجانب الآخر يستخدم أقصى قوته العسكرية والأمنية لكي يسحق بأقصى سرعة عصب الانتفاضة، قادتها الميدانيين، يطوّع ويخترع ويشرع قوانين «قراقوشية» ويتخذ قرارات عنصرية مغرقة في التطرف لخدمة هذا الهدف، حيث نشهد تصاعداً في عمليات الإعدامات الميدانية بشكل سافر. محمد أبو خلف في باب العامود بالقدس بوابة دمشق وعبد الفتاح الشريف في الخليل، استمرار احتجاز جثامين شهداء القدس الـ 14، والذين مضى على وجود البعض منهم في ثلاجات الاحتلال ستة أشهر، ترك الشهداء ينزفون حتى الموت، الاعتقالات المستمرة وبالذات اعتقالات الأطفال القاصرين، توسيع دائرة الاعتقالات الإدارية والإبعاد عن الأقصى والقدس، الهجوم الاستيطاني المتصاعد كـ»البلدوزر» والملتهم للأراضي الفلسطينية، المصادقة بالقراءة الأولى على إبعاد أهالي الشهداء إلى خارج الضفة الغربية والقدس، هدم منازل أهالي الشهداء والأسرى، توسيع طائلة العقوبات الجماعية، بحيث تشمل فرض حصار مشدّد على البلدات التي يخرج منها الشهداء، وسحب تصاريح العمل والعلاج من أبناء البلدة الخ…
الخطر السياسي على الانتفاضة يتأتى من أطراف عدة معنية بوقف مفاعيل وتطورات هذه الانتفاضة، لأن من شأن استمرارها وتصاعدها خلق حالة من عدم الاستقرار في الدول المحيطة بفلسطين وبالذات مصر والأردن، واستعادة القضية الفلسطينية لمكانتها كحلقة مركزية في الصراع العربي «الإسرائيلي»، وأن تصبح على رأس الاهتمام الدولي، بعد النجاح في تغيّبها لفترة طويلة، من شأنه قلب الأوراق وبعثرتها وتغيّر في سلم الأولويات الأميركية والأوروبية الغربية والإقليمية والعربية، والتي باتت ترى بأنّ الأولوية للصراع والحروب المذهبية والطائفية وحروب التدمير الذاتي العربية، والمسألتان السورية والعراقية، ولذلك سعت أميركا لممارسة أكبر قدر من الضغط على السلطة الفلسطينية، لكي تعمل على وقف الانتفاضة، ومنع تطوّرها وتصاعدها واتساع نطاقها وشموليتها، والمساعدة الجدية من أجل السيطرة على الوضع. ورغم أن السلطة حسب ما قالت الحكومة «الإسرائيلية» وأجهزة أمنها، بأنها أحبطت أكثر من 40 من العمليات ضد «الإسرائيليين» جنود ومستوطنين ، وأبعد من ذلك عندما ذهب الرئيس أبو مازن للقول بأن الأمن الفلسطيني يفتش حقائب طلبة المدارس وصادر أكثر من 70 سكيناً، كلّ ذلك لم يجعل أميركا تمارس أية ضغوط جدية على «إسرائيل» من أجل وقف الاستيطان أو حتى إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، التي عطّل نتنياهو إطلاق سراحهم، عندما فشلت المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأميركي كيري لمدة تسعة شهور، بل كانت تريد العودة إلى المفاوضات بدون أية شروط، مع تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عما يُسمّى بالعمليات الإرهابية، وتبني الموقف «الإسرائيلي» بأن «إسرائيل» تدافع عن نفسها في وجه «الإرهاب» الفلسطيني، ولذلك وجدت السلطة بأن عودتها للمفاوضات، هي ربح صافٍ لـ«إسرائيل»، وغطاء لها من أجل الاستمرار في الاستيطان، ولم تتمكن أميركا من تحقيق هدفها بوقف الانتفاضة، فلم تقدم للسلطة الفلسطينية سوى الوعود الفارغة الجوفاء التي خبرتها جيداً.
أما الخطر الآخر فهو «إبر المورفين» والتخدير والرشى الاقتصادية للمنتفضين والشعب الفلسطيني، من خلال زيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين، والتصاريح للتجار وغيرهم، متوهّمة «إسرائيل» بأنّ تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال من شأنه أن يوقف الانتفاضة، ولكن هذه الانتفاضة، لم تكن دوافعها الفقر والبطالة والجوع، بل الاحتلال واستمرار وجوده، هو جوهر قيام هذه الانتفاضة، واستمرارها، حتى مثل تلك الرشى تراجع عنها الاحتلال، عندما وجد بأن أكثر من عملية طعن أو دهس نفذت من قبل شبان فلسطينيين ليس لديهم أو لديهم تصاريح عمل في القدس والداخل الفلسطيني 48.
الانتفاضة تواجه خطر الخفوت والهبوط في ظل غياب القيادة الوطنية الموحّدة، وتعمّق وتكرّس الانقسام وشرعنته، كمشروع تفكيكي للحقوق والخريطة والشعب والحقوق، واستمرار التنسيق الأمني وتطوره والإصرار على بقائه، وفق تصريحات قيادة السلطة الأمنية والسياسية.
أما استمرار رهانات «أوسلو» واستمراء «لعبة» الانقسام، وبالتالي، التلكؤ في تبنّي ودعم وقيادة خيار الشعب المستعد للعطاء والتضحية بلا حدود، فيعني أن الحالة الشعبية باتت متقدمة، في وعيها الوطني واستعدادها الكفاحي ومبادراتها الشجاعة، على نخب قيادية يكبلها إرث المنظومة الفكرية والسياسية والأمنية والأخلاقية والنفسية لـ«أوسلو» والانقسام.
الاشتباك الانتفاضي الميداني المستمرّ حقق إنجازات سياسية ومعنوية مهمة جداً، فهي بدّدت الأوهام، وقالت بشكل واضح بأن مسار مدريد – أوسلو لن يقود إلى حلّ ودولة، ولكن لم تصل مرحلة الإنجاز الاستراتيجي بانكفاء الاحتلال بالمقاومة عن الأراضي المحتلة عام 1967، أو إزالة تمظهراته الأمنية والعسكرية والاستيطانية والاقتصادية، وهذا الاشتباك الانتفاضي المستمر يقول لكلّ الواهمين بأنه لا يمكن تحصيل دولة عبر دائرة مفاوضات مغلقة وماراثونية، ولا يوجد أي مركب سياسي «إسرائيلي» من أقصى اليسار أو اليمين يوافق عليها أو يعترف بها، فحزب العمل الصهيوني «المعارض»، تخلّى، في الآونة الأخيرة، حتى عن تأييده النظري، لما يُسمّى «حل الدولتين»، بحجة مصاعب تطبيقه، وطرح خطة انفصال من طرف واحد للتخلّص من سكان القرى الفلسطينية المحيطة بـ«القدس الشرقية»، بوصفهم «خطراً ديموغرافياً» على ما تسمّيه الأحزاب الصهيونية كافة ، «القدس الموحّدة» و«العاصمة الأبدية» لـ«دولة إسرائيل». أما برنامج حزب الليكود الحاكم بائتلاف مع أحزاب صهيونية علمانية ودينية أشد منه تطرفاً وفاشية، فكان ولا يزال: «سلطة واحدة من البحر إلى النهر» .
الخلاصة، إننا كشعب فلسطيني مع دخول الاشتباك الانتفاضي شهره السابع، فإن صراعنا مع المحتل ما زال في مربعه الأول، وما زلنا كشعب نواجه تحدياً وجودياً وليس سياسياً فقط، مرتبطاً باستمرار إنكار قادة الاحتلال وجود الشعب الفلسطيني، تأسيساً على إيديولوجيا «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، و«أين هو الشعب الفلسطيني» الذي نجم عن، وترتب على، نجاح الحركة الصهيونية في إنشاء، وتوسيع حدود، كيانها الغاصب «إسرائيل».
Quds.45 gmail.com