الانتخابات الأميركية ومأزق ترامب
في ظل الهدر المتواصل لرصيد ترامب والجمهوريين في صناديق الانتخابات الأميركية المقبلة، الذي أعقب فشل إدارة ترامب في مواجهة وباء (كوفيد 19 المستجد)، وتزايد الاحتجاجات على عنف الشرطة وعنصريتها، هل يلجأ ترامب إلى تصدير أزمته الداخلية من خلال الإقدام على تسخين بؤر التوتر الشرق أوسطية وتوجيه ضربات مؤلمة ضد إيران، من خلال استهداف المفاعلات النووية الإيرانية بالتعاون مع الكيان الصهيوني وبمباركة من أنظمة عربية تخشى تزايد قوة إيران في المنطقة، ترافقها سلسلة اغتيالات ضد قادة الحرس الثوري الإيراني لاستعراض عضلات الإدارة الأميركية وتضخيم الإحساس بالقوة لدى الناخب الأميركي الأبيض ودفعه للتصويت لصالح ترامب الذي يمثل رمزًا للعنجهية والاستكبار العنصري الأبيض؟ أم يكتفي بتوظيف “الخطر الإيراني” وتضخيم الحديث عن الخطر الأصولي الذي يهدد “المدنية” الأميركية بسبب سياسات فتح الأبواب أمام الهجرة الوافدة للولايات المتحدة والتي يحاول ترامب تسويق نفسه كحارس للنظام الأميركي من “الدخلاء”؟
أيًا كان الخيار الذي من المتوقع أن يفاجئ به ترامب الناخب الأميركي، فإنه لن يعيد ما استنفدته سياساته الطائشة من رصيد انتخابي للحزب الجمهوري خاصة بعد أن ازدادت أعباء الضرائب على الناخب الأميركي وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في ظل إدارة ترامب وتدنت القيمة الشرائية للدولار إلى مستويات غير مسبوقة.
ورغم تمسك الإنجيليين المتصهينين بترامب الذي يرون فيه الرمز الذي يحقق لهم الحلم بدولة عبرية عنصرية على أنقاض الشعب الفلسطيني، إلا أن ما لم يعوه أن الشعب الفلسطيني صاحب الحق التاريخي في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني يمثل رقمًا صعبًا عصيًا على الإبادة والتهميش وأنه يملك إرادة صلبة لتحقيق مشروعه الثوري لتحرير فلسطين وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه إلى وطنهم، وأن جميع المؤامرات التي هدفت إلى توطين الفلسطينيين خارج تراب وطنهم من خلال مشروع الوطن البديل باءت بالفشل.
ورغم أن الشعب الفلسطيني لا يراهن على أي من الحزبين الأميركيين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، إذ إن كلًا منهما يحمل أهدافًا إمبريالية خبيثة، إلا أن سقوط ترامب سيحمل مناسبة احتفالية للفلسطينيين، الذين حملت لهم خطة ترامب للسلام “صفقة القرن”، محاولة للالتفاف على مبادئ الشرعية الدولية التي نصت على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم المحتلة، رغم ما في تلك القرارات التي جاءت كمحصلة لموازين قوى عالمية مختلة من إجحاف يقع على الشعب الفلسطيني ومساس بحقوقه وثوابته التاريخية.
إن تحديات جسيمة فرضتها سياسة ترامب على العرب خاصة بعد إعلانه لخطة السلام “صفقة القرن”، دون أي اعتبار للعرب الذين راهنوا على إمكانية قيام الإدارات الأميركية بدور نزيه في إحلال السلام في المنطقة.
ولا تشكل الترامبية خطرًا يهدد استقرار الشرق الأوسط فحسب، فهو يعمق بؤر التوتر على الصعيد العالمي من خلال العقوبات التي تطالب بفرضها على الصين، إضافة إلى الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأميركية إلى الصين بشأن قضية بحر الصين الجنوبي والتي ترى فيها الصين أنها تأتي في إطار التصعيد الأميركي ضدها وأنها اتهامات مجحفة وغير مبررة، وأنها استكمال للتشويه للمواقف الصينية بعد اتهامات بإخفاء الصين معلومات تتعلق بفيروس (كوفيد 19)، وتنامي الإحساس لدى دول القارة الأوروبية برغبة ترامب في تقليص نفوذها وحرمانها من كثير من امتيازاتها الاقتصادية في العالم للاستفراد بالنفوذ العالمي واستنفاد موارد الشعوب في المناطق النامية لصالح الإمبريالية الأميركية كقطب أوحد للسيطرة على العالم.