الاقتصاد الأردني (2018): هل ندفع ثمن عدم بناء اقتصاد حقيقي يصمد أمام الأزمات؟! / عبد المجيد الخندقجي
فيما يدخل العالم سنة جديدة، وتحتفل الناس برأس هذه السنة، يمسك قادة الدول برؤوسهم، ويتحسسون مواطئ أقدامهم، والكل يجري حساباته ويحضر نفسه لخوض غمار معركة الاثني عشر شهراً القادمة.
الدول الكبرى لها حساباتها المتعلقة بالاستراتيجية، أما الدول الصغرى والفقيرة مثل (الأردن) فينحصر تفكيرها بأوضاعها المالية والإقتصادية، هل تكفي إيراداتها لتغطية نفقاتها أم ستضطر لفرض ضرائب جديدة؟! هل يبقى العجز المالي كما هو أم يتفاقم؟! والمديونية العامة هل يزداد حجمها أم تضطر الحكومة إلى اللجوء لفروض جديدة؟! وعملتها المحلية هل تحافظ على سعر صرفها، وقطاع الاعمال هل يشهد ازمات جديدة؟! هل تحصل على مساعدات ومنح جديدة، وهموم كثيرة أخرى قد تخرجها سالمة نهاية السنة المثقلة بالغموض أم تطيح بها؟؟؟؟
طبعاً الكل خائف في هذه الدول التي تعاني من عجز دائم، وفي المقدمة انظمتها الحاكمة، أليس الاقتصاد عربة تجر التاريخ والسياسة اقتصاد مكثف، فإذا ما انحرفت تلك العربة وانزلقت فإن رؤوساً كثيرة ستتطاير، أما الشعوب فمهما كانت النتيجة باقية.
والأردن كنظام وشعب خائف، خاصة مما تخبئه أيام هذه السنة المثقلة بالتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، لأنه يقع في عين العاصفة إذا ما هبت. لقد استطاعت الحكومة كما في كل مرة أن تمرر موازنتها وكل بنودها تخمينية من تحت قبة البرلمان، لكنها لن تكون قادرة على مواجهة أمور ليست في دائرة حساباتها.
الأردن في هذه السنة، يدخل مرحلة ربما هي الأخطر على الإطلاق، وتتمثل بالأزمة الاقتصادية السياسية والأمنية في دول الخليج التي تتحكم بالعصب الرئيسي لأوضاعه الاقتصادية لأنها تمده بالمنح والمساعدات والاستثمارات، حيث يبلغ حجم الاستثمارات الخليجية (40.1) مليار دولار.
وبقرار الإدارة الأمريكية معاقبة كل من عارض أو رفض قرارها اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والأردن واحد من هذه الدول، أي أنه معرض لقطع المعونات الاقتصادية التي تبلغ (1.2) مليار دولار سنوياً.
والأردن تلقى منذ استقبل ما يقارب (2) مليون لاجئ سوري ما مجموعه (3.1) مليار دولار في إطار ما يسمى المساعدات الثنائية والإضافية، وقد تقدم الملك خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بطلب زيادة المساعدات التي يتلقاها كدولة حليفة إلى (2) مليار دولار أي بزيادة (800) مليون دولار وهذه الزيادة اصبح مشكوكاً في أمرها إن لم تكن أصبحت في طي الرفض.
والمغتربون الأردنيون الذين يضخون (3) مليار دولار سنوياً ومعظمهم في دول الخليج أصبحوا مهددين بالعودة بعد تفاقم أوضاعهم وتآكل دخولهم نتيجة الضرائب الجديدة التي فرضت منذ بداية هذا العام عليهم وعلى أسرهم رفع حجم الضريبة على كل وافد من (200) ريال إلى (400) ريال والضريبة على كل مواطن من (100) ريال إلى (200) ريال، وحتى لو بقي عدد منهم فلن يتحمل أعباء المعيشة بعد رفع اسعار السلع والخدمات هذا عدا عن وقف زيادة اجورهم.
أما التجارة مع دول الخليج والبالغة (5.7) مليار دولار فهي في محل خطر.
والمثير للدهشة والاستهجان أن دول الخليج والولايات المتحدة يتفقون لأول مرة على ضرورة إذعان الأردن لمتطلب يتعلق بإنهاء القضية الفلسطينية وبموقفه من قضايا اقليمية وتحالفات دولية واقليمية.
كيف وبأية إمكانيات وطاقات اقتصادية ومالية سيخوض، الأردن غمار هذه العام، طبعاً هناك دائماً من ينبري لتهوين وتبسيط الأمور، وقد خرج بعض هؤلاء ليقول: “يا جماعة الأردن مستثنى، ولا يمكن لا لأمريكا ولا لدول الخليج أن تضحي به، أو تخاطر بمستقبل وجوده أو تعرضه للخطر، قد يكون في هذا القول شيء من الحقيقة، لكن الأردن في نفس الوقت مطالب بدفع اثمان باهظة لا يقدر عليها ولن يقدر عليها، وعلينا أن نتذكر محاصرته برأ وبحراً عقاباً على موقفه من اجتياح الكويت عام (1990)”.
الأردن كما يعرف الجميع هو الحلقة الأضعف في سلسلة اتباع الولايات المتحدة، ويجب أن لا يلوم إلا نفسه، لأنه لم يبن اقتصاداً حقيقياً يصمد أمام الأزمات أو يتحمل أية اهتزازات مفاجئة.
فمنذ أزمة عام (1989)، يرهن اقتصاده بسياسات البنك الدولي وسياسات الـــــــIMF، وتتحكم به صناديق التمويل الدولية والعربية، والإشراف عليه منوط بلجنة اقتصادية ليبرالية.
(29) عاماً وهو راضٍ عن تكبيله بشروط الــــ IMF وهي: رفع الدعم عن بعض السلع الرئيسية والخدمات، تحرير الاسعار، خطة الضريبة لتعزيز الإيرادات وخفض عجز الموازنة، وتقليل حجم الدين العام، وتبني آليات السوق الحر ونهج الخصخصة.
ما الذي جرى؟ رفع الدعم قضى على آليات السوق، وتحرير الأسعار أرهق المواطن وأبعده عن أي مشاركة في الاقتصاد، وكثرة الضرائب ولدت عقماً ضريبياً والإيرادات التهمتها مؤسسة الفساد وعجز الموازنة تفاقم والدين العام ارتفعت نسبته من (60%) إلى (95%) من الناتج المحلي الإجمالي GDP.
وادارت الحكومات ظهرها للمشاركة الشعبية في اصلاح اقتصادي وسياسي حقيقي، ولا زالت الحكومات تحتقر الشعب وترى الطبقة الحاكمة في أي مشاركة شعبية تهديداً لمصالحها الطبقية، وامتياز انها الانانية.
وظل الإقتصاد ضعيفاً مشلولاً مرتبطاً بأحكام بالمصالح الرأسمالية واطماعها وخطط نهبنها لخيرات الأمم والشعوب، وظل اقتصاداً ريعياً يعتمد على المساعدات والمنح بعد أن تبني نهج الخصخصة وباع كل مرتكزات البلد ومؤسساتها المنتجة مما حول الإقتصاد إلى اقتصاد خدماتي (70%) مساهمة قطاع الخدمات بالــــــ GDP، بينما القطاع الضاعي الـــــ PDF لا يعمل فيه أكثر من (229) الف عامل ولا يساهم بأكثر من (22%) من الناتج المحلي الأجمالي وأصبح يقتصر على صناعات هامشية لا هي مكثفة للعمالة ولا تخلق اقتصاداً حقيقياً، منتجاً للسلع.
أما التنمية الإقتصادية فهي لا تزيد عن (2%) أقل من نسبة التكاثر السكاني.
لم تكتف الطبقة الحاكمة بإبعاد الشعب الأردني عن المشاركة في بناء اقتصاد منتج ويصمد أمام الهزات والأزمات، بل رفضت ايضاً مجرد التطرق لاصلاح سياسي، لانها لا تريد التفريط بهيمنتها على مفاصل الحكم، إذن ليس لنا إلا الدعاء “الله يستر من هذا العام”.