مقالات

الاقتصاد الأردني متأثراً بأزمة كورونا

قليلون هم الذين أبدوا اهتمامهم بما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية في الأردن خلال وما بعد أزمة فايروس كورونا التي تضرب بكل وحشية كافة بلدان العالم، وأعني كتاب الاقتصاد والخبراء الاقتصاديون ، ذلك أن هذا الوباء القاتل لم يشهد مثله العالم منذ مئات السنين أي منذ طاعون القرون الوسطى، وأنا عندما طُلب مني الكتابة عن تداعيات هذا الوباء على الاقتصاد الأردني ترددت ووجدت نفسي كمن قال في بيت عزاء كلمة “دايمة”، حسب تعبير لينين في أحد خطاباته.


نعم مع كل الكتاب الاقتصاديين الحق في عدم الخوض في هذا المجال وفي هذا الظرف العصيب، فكل الناس يمسكون برؤوسهم وهم يتابعون تداعيات هذا القاتل في وسائل الإعلام التي لم تعد مشغولة بغيره من المواضيع.
حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما دعا الرئيس ترامب إلى تخصيص 2 ترليون دولار لمكافحة فايروس كورونا وانعاش الشركات المتضررة، صاح الكونغرس: ما هذا؟ أهذا وقت الشركات؟ طبعاً الرئيس ترامب قال الشركات لدواعي انتخابية، لأن نجاحه في الانتخابات القادمة مرهون بدعم الشركات الكبرى ورأس المال.
وهكذا إذا ما ابتعدنا قليلاً عن تداعيات الكورونا الإنسانية، والنفسية، والصحية، فهو كارثة اقتصادية بكل معنى الكلمة، لم نلمس سخونتها بعد، ولم نعش ذروتها، وما بعد ذروتها التي لا أحد يعرف ملامحها ولا ما هيتها، وهل هي أيام أم أشهر أم سنوات.
ونحن في الأردن مثلنا مثل جميع الدول المتخلفة، نعتمد اسلوب التهدئة وبث التفاؤل، ومسؤولونا يقللون من هول المصائب ويضللون شعوبهم.

في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 قال وزير المالية: أن لا خوف من تداعيات الأزمة العالمية، فاقتصادنا قوي، ومبني على اصلاحات سليمة، ويتحمل تبعات الأزمات، هذا حدث بعد عام أي عام 2009 حيث تنبأ الوزير بمعدل نمو4.3٪ ونمو الاحتياطات من النقد الأجنبي إلى 8 مليار دولار، مما يحمي سعر الدينار، كما أشار إلى سلامة ميزان المدفوعات وانخفاض معدل التضخم إلى 4.5٪ مقارنة مع 15٪ عام 2008 بسبب انخفاض أسعار النفط والكثير من السلع المستوردة مما ساهم في تخفيض العجز التجاري وعجز ميزان المدفوعات، وعند الحساب ذهبت كل أموال الوزير أدراج الرياح ، فقد ثبت أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع في الربع الأول من العام 2009 بنسبة 5.4 نقطة مئوية، أي دخول الاقتصاد بحالة تباطؤ، وسجلت الإيرادات الحكومية تراجعاً بحوالي (400) مليون دينار، الأمر الذي أدى إلى زيادة عجز الموازنة، كما تبين أن عدد الشركات المسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة انخفض بحوالي 674 شركة، أما الشركات المسجلة فقد انخفض رأسمالها إلى حوالي 155 مليون دينار، وكذلك انخفض حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية بحوالي 497مليون دينار، وارتفعت البطالة في ذلك الحين إلى 17٪ بسبب انخفاض الطلب.
وتراجع حجم التحويلات بحوالي 9.4مليون دينار ، وارتفع حجم الدين العام بشكل غير مسبوق، أما باقي القطاعات مثل الصناعة، والقطاع العقاري، والنقل، والاتصالات والطاقة فقد لحق بها أضرار كبيرة.
إذن لا أحد يعول على تصريحات المسؤولين خلال الأزمات فهي لتهدئة روع الناس، حتى يتم ترحيل الأزمة، أو رحيل الوزير، وفي هذه الأزمة، لا أحد من المسؤولين يستطيع التبجح وكارثة الكورونا ما زالت تضرب اقتصاديات دول العالم، وهم في الصين، والولايات المتحدة يتوقعون وبدون أية احصائيات. الصينيون يتوقعون تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 1.7٪ والاقتصاد الأمريكي 0.5٪ والاقتصاد الأسيوي 0.2 ٪ ، وفي هذه الحالة ستتراجع نسبة التشغيل وتزداد نسبة البطالة، إضافة إلى تراجع حاد في الطلب الكلي وانخفاض القوة الشرائية.
الأردن غير عن كل الدول، فهو يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية بسبب محدودية الموارد، وفشل السياسة الاقتصادية وتبعيته الاقتصادية شبه المطلقة للدول الرأسمالية وانتهاجه سياسة اقتصاد السوق، والانفتاح الاقتصادي، فكيف بعد هذه الكارثة.
عندما قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض سعر الفائدة 50 نقطة أساس قرر البنك المركزي الأردني تخفيض سعر الفائدة بنفس النسبة، في محاولة لضخ السيولة في السوق، ورفع نسبة التداول.
هذا كما نعرف يحدث في الظروف العادية لانعاش الاقتصاد، ومجابهة التضخم، لكن في مثل هذه الأزمة فالاحتمال الأكبر ازدياد نسبة التضخم، لأن العالم في ظل غلق الحدود، وتوقف عجلة الإنتاج بسبب توقف خطوط الإنتاج، سيشهد ركوداً حاداً، ويقل تداول السلع بسبب وقف التجارة العالمية، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة.
وزيادة على ذلك، أعلن الأردن عن غلق حدوده مع العراق والدول المجاورة، وحظر جميع الرحلات الجوية، وقف الصادرات في الوقت الذي يعاني فيه الميزان التجاري من عجز كبير، كذلك خفض المركزي الأردني الاحتياطات الاجبارية للبنوك التجارية من 7-5٪ لضخ أكثر من 500 مليون دينار أردني (750مليون دولار) من السيولة الاضافية، هذا كما أشرنا سيؤدي إلى رفع معدل التضخم لأن الكتلة البضاعية ستكون في حالة تناقص بسبب الركود.
والواضح أن من تداعيات هذا الوباء تعرض قطاع السياحة إلى ضرر بالغ ، فقد أعلن عن غلق جميع أماكن السياحة التي بلغت عائداتها نحو 5 مليار دولار، كما على أثر ذلك غادر آلاف السياح الأجانب، وتراجعت إلى حد كبير نسب اشغال الفنادق.
وبسبب توقف عجلة الإنتاج، وتوقف المصانع، وتأثر قطاع الزراعة، وقطاعات النقل، وكذلك الخدمات، فإن من الطبيعي أن تنخفض معدلات النمو الاقتصادي، كما سيؤدي الحظر ومنع الحركة إلى التباطؤ في الاستهلاك .
في مثل هكذا ظروف كارثية من المناسب أن تراجع الدول الفقيرة والنامية خططها الاقتصادية لمواجهة التداعيات، واتخاذ القرارات المناسبة لطبيعة ومستوى اقتصادياتها الوطنية، لكن ما يؤسف له، من تبعية اقتصاديات الدول النامية للرأسمالية العالمية يجعلها تصدر القوانين والتشريعات وتركز جهدها، لا لتعزيز التكافل بين أبناء المجتمع، وتوظيف الخيرات الاقتصادية لتخطي التفاوت الاقتصادي بين فئات المجتمع، وإنما لخدمة أهداف الرأسمال الأجنبي وأهداف الإمبريالية العالمية.
الآن ومع انتشار كارثة وباء كورونا، ثمة فرصة أمام الدول الفقيرة والنامية، العودة إلى مجتمع التكافل الاجتماعي ورفع معدلات الأجور، والتراجع عن حرية الانفتاح الاقتصادي وانتهاج سياسة اقتصادية وطنية ترمي إلى خفض معدلات الفقر، والتخلص من هيمنة الشركات العابرة للقارات، وبالتالي امتلاك قراراتها المستقلة واتخاذ القرارات المناسبة لمواردها الطبيعية والبشرية.

بواسطة
عبدالمجيد الخندقجي
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى