الاشتباك الثقافي/ حسين ياسين
الاشتباك الثقافي هو في جميع الأحوال عمل منظم يستهدف البيئة الاجتماعية إما بغرض المحافظة عليها وإما بغرض تطويرها، وكأي عمل منظم وهادف فإن له نظريته التي تحدد أهدافه وتوضح الوسائل التي يتبعها، فإما أن يخدم العمل الثقافي أهداف السيطرة وإما أن يخدم أهداف التحرير، وبما أن هذين النوعين من العمل يختلفان في نتائجهما فإنهما يخلقان علاقة جدلية قائمة على الدوام والتغير، فلكي يكون التنظيم الاجتماعي فلابد ان يصير وبمعنى الصيرورة هي التي يحقق بها المجتمع الاستمرارية.
العمل الثقافي الحواري لا يمكن أن يتخلى عن العلاقة الجدلية بين الدوام والتغير لأن التخلي عن هذه العلاقة معناه التخلي عن المجتمع بصفة عامة.
إن العمل الحواري يستهدف أجواء المتناقضات وبذلك يتمكن من تحقيق حرية المجتمع، أما نظرية ثقافة الاشتباك تحاول أن تبقي على العناصر التي تكرس السيطرة في النظام الاجتماعي. وإذا كان المتسلطون يرفضون التغيير الذي يهدد سلطتهم في القهر وبذلك يتأتى لهم أن يحققوا الامتلاك والتفرقة والاستغلال والغزو الثقافي.
إنه أسلوب مصطنع لا يقبله العقل الجدلي لأن العمل المشتبك يستهدف التحرير ففي نظرية الغزو الثقافي يستمد الممثلون نظريات أدوارهم من قيمهم وأيدولوجياتهم حيث يبدؤون عالمهم الخاص يغزون به عالم المقهورين وأما في نظرية الاشتباك الثقافي فإن الممثلين الذين يأتون من عالم مختلف ويدخلون عالم الجماهير لا يدخلونه كغزاة أو معلمين أو مبشرين بل كمتعلمين مهمتهم تتركز في أن يعرفوا عن الناس كذلك في الغزو الثقافي لا يحتاج المثلون إلى الاتصال بالجماهير بل يكتفون بوسائل يفرضونها على الناس الذين يقومون بدور المشاهد فحسب أما في الاشتباك الثقافي فهم يندمجون مع الناس ويشاركونهم في العمل الذين يقومون به سويا تجاه العالم ففي الغزو الثقافي يبقى العالم والناس مجرد أشياء أما الاشتباك الثقافي لا يوجد مشاهدون بل عملهم يتمثل في تطوير الواقع لأجل تحرير المجتمع.
هو ضرب من العمل يواجه الثقافة ذاتها بوصفه المقاوم الذي يصون عناصرها فالعمل الثقافي كعمل تاريخي هو وسيلة يتفوق بها الناس على ثقافة السيطرة ومن هذا المفهوم فإن أي ثورة حقيقية هي في واقعها ثورة ثقافية
الاشتباك الثقافي ليس هناك نماذج مفروضة بل تحليلاً ناقداً للواقع مقرونا بالعمل ومشاركة فاعلة في العملية التاريخية ولا اتباع لنماذج في العمل محددة مسبقا فالقادة والجماهير يسيرون نحو هدف مشترك ويولد القادة والجماهير في إطار جديد من المعرفة والعمل فالمعرفة الثقافية تؤدي الى تطوير ثقافة تحرر الانسان ويحسن مستوى فهم القادة للناس ليكون اثرهم في تحسين مستوى الجماهير
المثقف المشتبك لا يرفض الاختلاف في وجهة النظر ولكنه يرفض الغزو الثقافي الذي تمارسه فئه على فئه ويتجنب تنظيم نفسه بمعزل عن الجماهير.