الاستثمار في هلع كورونا !
مقارنة ضحايا كورونا بضحايا عناوين مثل حوادث الطرق التي تحصد كل عام 1.25 مليون والجوع الذي يحصد 6 ملايين طفل تحت سن الخامسة والانفلونزا الاموسمية التي تحصد 650 الفا كل عام .
ناهيك عن ضحايا الحروب والحصار الاقتصادي المباشر الذي يفرض على اكثر من 200 مليون انسان والتي ظهرت تداعياته في اجيال ما بعد غزو العراق والحرب على اليمن وسوريا وحصار ايران وفنزويلا والسودان وكوبا وكوريا الشمالية ونتائجها المباشرة والغير مباشرة على التنمية والامن الغذائي والتعليم والصحة كل هذا وبالرغم من ان ضحاياه اكثر بمئات الآلاف الا انها لم تحظى باهتمام قادة العالم وحكوماتهم كما حظي فايروس كورونا بحلته الجديدة.
الانفلونزا بكل مسمياتها تحصد مئات الآلاف كل عام هذا حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية الرسمية.
كورونا المستجد احد ابناء هذه المجموعة الفيروسية التاجية التي ظهرت بحلة جديدة لتحصد فئة بشرية محددة كبار السن وبعض الفئات العمرية التي تجمعهم مع كبار السن خاصية ضعف جهاز المناعة لديهم.
اذا ما دققنا بعدد الضحايا والمصابين بكورونا فان الارقام تشير بعد 3 اشهر بانها اقل من عادية نسبة لعدد السكان في كل بلد واظهرت الوقائع ان نسبة الشفاء منه بلغت في الصين حسب التقدير الرسمي 80%.
منظمة الصحة العالمية حتى الان لم تقدم معلومات رسمية موثقة حول خطر كورونا سوى انه يطال كبار السن فوق 65 عاما الذي هو سن التقاعد في الكثير من الدول.
المدقق في التعاطي مع الفايروس يلاحظ ان هنالك عدة مسارات للتعاطي مع انتشار الفايروس منها من اتخذ خطوات احادية متطرفة باغلاق الحدود والاجواء والمدارس ومنها من اعاد الى الحياة فكرة النظام العرفي ومنها من اتخذ مسارا واقعيا قائما على تحديد مواصفات الفايروس والفئات المستهدفة وتحديد سياسة طويلة الامد لاستيعابه وحددت خطوات تصاعدية لاحتوائه.
التعامل مع انتشار الفايروس كان تجربة ملموسة عكست مدى وعي المجتمعات لضروروة العمل الجماعي في مجابهة الكوارث.
مراكز راس المال استثمرت بكورونا لاعادة تصحيح الاسواق المالية التي كانت على حافة اعلان ازمة مالية عارمة نتيجة اختلاف الارقام الربحية بين الدفترية والواقعية.
التصحيح كان على حساب الفئات الاجتماعية المتوسطة حيث خسرت ارصدتها النقدية هذا التصفير كان لا يمكن ان يمر بسهولة لو لم يكن كورونا.
كورونا اعطى فرصة للمؤسسات المالية العالمية لتاجيل دفع الديون المستحقة على الدول لكي لا تعلن افلاسها وتمردها على النظام المالي(مثال لبنان).
اذا ما اخذنا الناتج القومي العالمي والذي يقدر حسب بيانات البنك الدولي ب80 تريليون دولار والديون على الدول حيث أفادت بيانات معهد التمويل الدولي (أكبر تجمع للمؤسسات المالية في العالم)، بارتفاع نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 322 بالمئة، مسجلاً 253 تريليون دولار بالربع الثالث 2019).
المدقق بالرقمين والنسبة بينهما يدرك عمق ازمة النظام الراسمالي بين ثلاثية الناتج القومي والديون والقيمة المتداولة في الاسواق المالية العالمية والتي لا تعبر عن القيمة الفعلية والواقعية للمؤسسات والشركات والمصانع هذه الفروقات تؤكد ان النظام المالي العالمي كان امام اعلان ازمة عميقة ستنتج عنها وقائع لا يمكن محاصرة نتائجها. يتمحور عمل السوق المالي بين شكلين الافتراضي الذي يخضع للمضاربات وسوق الاسهم.
لكي يفهم الغير مطلعين على ميكانيزم السوق الافتراضي هذا الميكانيزم يؤهل ايا كان ان يلعب في السوق بقيمة افتراضية لا تعكس القيمة الفعلية لما يملكه بالواقع . اي ان السوق يسمح بان يعمل بقيمة واقعية عشرة اضعاف القيمة الفعلية اي اذا انت تملك الف دولار تستطيع ان تعمل بقيمة عشرة الاف دولار بالسوق المالي الافتراضي.
وبالطبع فان قانون دخول الاسواق المالية دائما ما تكون هاوية للمستثمرين الصغار الذين يتم اغوائهم لدخول الاسواق من خلال نشر دعايات تستثمر في عدم معرفتهم باليات السوق الافتراضي الذي ياكل اموالهم في كل دورة تصحيحية للسوق تفرضها اليات عمل السوق.
نتيجة لعملية التصحيح فان 90% من المستثمرين المتوسطون والصغار يخسرون كل ما يملكون وتحصل عملية اعادة مركزة الاموال في حسابات المستثمرين الكبار وفتح دورة جديدة لجمع السيولة النقدية من صغار ومتوسطي الدخل جدد .
اما عن اسهم الشركات فانها لا تعكس القيمة الفعلية للشركات ونتاجها او بالاحرى القيمة السوقية الواقعية للشركة.
اما عن تداول اسهما فهي اطارا لتحصيل دائم للسيولة التي لا يذهب معظمها لتحسين ادائها بل الى جيوب كبار المستثمرين فيها الذين يملكون معظم اسهمها 51% واكثر ليتمكنوا دائما التحكم بسياساتها.
الهبوط في اسهم الشركات (تحت عنوان التصحيح) يعمل في اتجاهين الاول حرمان المستثمرين الصغار من اموالهم من جهة واعادة شرائها من الكبار من جهة اخرى لاعادة امتصاص مدخرات متوسطي وصغار المستثمرين الذين يضخون سيولة فعلية في الاسواق.
وهنا فان مفهوم الصغار والكبار نسبي ويشمل كل القطاعات – الشركات الكبرى والصغرى والبنوك الكبرى والصغرى والدول الكبرى والصغرى .
وهنا فان السرقات المقوننة من قبل مؤسسات رأس المال تطال جميع القطاعات وتدخل في مراحل هبوط وصعود.
ولكن الاقتصاد العالمي بشكله القائم كان فايروس كورونا له ضروريا لكي يجبر الجميع خارج مجموعة (ال 1% المتحكمين بثروات العالم ) كبارا وصغارا على القبول بالوقائع الجديدة وتبعاتها ونتائجها.
اهمها: كيف يمكن تغطية العجز بين الناتج القومي العالمي الذي يقدر ب80 تريليون وفي احسن الحالات 90 تريليون وبين المديونية التي تقدر حسب اخر احصائيات ب 253 تريليون؟
كيف يمكن للحكومات ان تقوم بضخ تريليونات من الدولارات ؟ من اين ستحصل عليها في ظل ان افضل اقتصاد في العالم (الولايات المتحدةالامريكية)مديونيته تقريبا 22 تريليون؟
ما هي التغطية لهذه المبالغ في ظل الركود الاقتصادي الذي فرضته الحكومات تحت عباءة كورونا بحلته الجديدة؟
من الواضح ان كورونا اتاح للحكومات وبنوكها المركزية بضخ تريليونات من الدولارات لانقاذ مؤقت لمتطلبات السيولة المطلوبة لاستمرار مؤسسات الدولة البيروقراطية والشركات الكبرى وموظفيها في ظل الشلل الذي فرضته الاجراءات الحكومية . الحزم النقدية الانقاذية يستثني منها اصحاب المهن الحرة والعاطلين عن العمل الذين سيفقدون مدخراتهم ولن يشملهم الدعم الحكومي في الدول الفقيرة اذا ما استمرت الازمة لاكثر من ثلاث اشهر.
كورونا سمح بمرور الازمة الاقتصادية العالمية بدون ردات فعل جماهيرية مباشرة لكنه حضر لازمات اعمق بعد ان يعلن الانتصار الرسمي على كورونا.
على سبيل المثال وليس الحصر الاقتصاد الايطالي يعتمد على الاقتصاد العائلي الصغير والمتوسط حيث معظم الشركات الايطالية هي شركات عائلية صغيرة ومتوسطة تؤمن الدخل للعائلات الايطالية وعملية الاغلاق التام هي ضربة موجعة للاقتصاد العائلي الايطالي وامثاله في الدول الاوروبية وفي العالم وهي مناسبة مستقبلية للكبار للاستحواذ على هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة واسواقها.
كيف ستتعامل الحكومات مع الخسائر التي تكبدتها الفئات المتوسطة والفقيرة؟
هذا مثالا على الآثار المباشرة للاستثمار في ازمة كورونا في حلته الجديدة.
اذا كانت منظمة الصحة العالمية قد حددت الفئات العمرية التي ستتاثر بازمة كورونا (كبار السن) هذا يطرح سؤالا جديا حول ماهية وجدوى الاجراءات التي اتخذتها الحكومات التي تملك شعوبها نسبة عالية من الشباب( المجتمعات الشابة)؟ الواضح ان هذه الاجراءات الغير مبررة جميعها في الدول النامية والتي تعاني من مشكلات بنيوية في اقتصادياتها نتيجة اعتمادها على وصفات صندوق النقد والبنك الدولي التي ترزح تحت مديونية تثقل كاهل مجتمعاتها. التعامل المبالغ فيه سيعمق الازمة المجتمعية ويزيد من طوابير الفقر والجوع.
كورونا سيستثمر في النقد وتداوله المباشر وبالرغم من عدم ثبوت نقل النقد للفايروس الا ان رئيس منظمة الصحة اشار في احد تصريحاته على ان النقد ممكن ان يكون طريقة لنقل العدوى مما طرح تساؤلات على البضائع دور البضائع الاخرى في اسواق الطعام والخضار وجميع السلع التي تتناقل بالايدي هذا التصريح الذي يحمل خيارات الاعتماد المستقبلي على النقد الرقمي.
حالة الذعر والهلع من كورونا التي يساهم فيها البعض عن وعي وكثيرين عن جهل ناتج عن عدم وعي ومعرفة لعمل اليات السوق الراسمالية ومؤسساتها المالية سيوظف من قبل الحكومات ومراكز راس المال لأهداف متعددة تخص كل بلد ويعتمد على الخلفية المعرفية للحكومات ومصالحها.
استمرار حالة الهلع والذعر الغير مبرر سيكون له تداعيات على الاقتصاديات الاكثر فقرا .
اذا ما قارنا نتائج كورونا بحلته الجديدة فان مفاعيله اقل من سابقيه ومن اوبئة سابقة او من امراض اخرى او من الحروب العبثية التي اودت بحياة الملايين من الشعوب الفقيرة في سورية والعراق واليمن وافغانستان والسودان وفنزويلا وليبيا .
لقد شكل المثل الالماني والفنلندي والسويدي اطارا واقعيا للتعامل مع تداعيات فيروس كورونا حيث تعاطوا مع الفايروس من خلال تعليمات صحية مدروسة آخذين بعين الاعتبار مصلحة كبار السن من خلال الحفاظ عليهم بتوجيهات خاصة واعتبار ان الوقاية هي ممارسة مسؤولية شخصية وجمعية واعية وليست عبر اجراءات تطال الحرية الفردية والجمعية حيث لم تقم السلطات في هذه الدول على اغلاق المدارس الابتدائية والحضاته باعتبار انهم الفئة الغير متضررة مباشرة من كورونا .
اما عن المحلات فابقوها تعمل واعطوا توجيهات عامة وحرص على تعبئة الرفوف لطمأنة المواطنين حول امنهم الغذائي.
المبالغة في التعامل مع الفايروس يهدف الى دفع المجتمعات للتموضع في اطار خطط المستثمرين المستحوذين على الاقتصاد العالمي ومؤسساته (1% الذين يملكون 90% من الثروات العالمية) لللاستثمار في تداعيات كورونا لتحضير اجواء عامة لاحداث تغييرات تطال الحقوق والانجازات الاجتماعية الانسانية التي تعتمد على الشفافية والعمل الجمعي الانساني من خلال تعزيز الاقتصاد الوطني الجمعي الملموس والذي يعبر عن الناتج الوطني الفعلي.
الاستثمار في التوعية الجمعية للمخاطر الحقيقية بعيدا عن الخزعبلات والتاويلات والاستناد للبحث العلمي والاسباب الفعلية للازمات بغض النظر عن طابعها هي الطريق للخروج من ازمة كورونا وغيرها.