الإصلاح إلى أين؟؟
مبكرا تم رفع شعار الإصلاح مع بدايات الانفراج الديمقراطي وذلك في تسعينيات القرن الماضي. وخاضت الجماهير الأردنية والأحزاب السياسية التقدمية نضالاً جاداً من أجل الوصول إلى تلك المهمة.
لقد تعاظم الشعار وتعاظمت الأصوات المطالبة به مع انطلاق الحراك الشعبي الأردني عام (2011) في ظل مناخات عربية شعبية توافقت على مطلب الاصلاح.
ولكن، وبعكس طبائع الأمور والمجرى العام للتاريخ بدلاً من تطور عملية الإصلاح في بلادنا، راحت تشهد البلاد تراجعاً متدرجاً على صعيد الإصلاح على النقيض من الرغبة الشعبية الأردنية التي رأت في عملية الإصلاح ضرورة لا غنى عنها. وامتد التراجع ليطال المؤسسات والسلطات التي راحت تعاني من تغول السلطة التنفيذية التي وضعت يدها الثقيلة على السلطة القضائية وأفرغت السلطة التشريعية من مضمونها وعطلت دورها الرقابي بالكامل.
لم تقف الأمور عند تلك الحدود بل بدأنا نشهد تضييقاً واضحاً على مستوى الحريات العامة، ونرى في منع إقامة مهرجان الذكرى السادسة عشر لاستشهاد القائد أبو علي مصطفى الدليل الأوضح على ذلك التضييق. ولعلنا نرى في الاعتقالات والاستدعاءات لنشطاء حزبيين بغية الضغط عليهم وتقييد حركتهم دليلاً آخر على تعاظم التدخل الأمني في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
واللافت للأمر أن هذا التراجع للحريات والردة عن الإصلاح ترافق مع تفشي الفساد على المستوى العام في ظل صمت الحكومة بل وإحجامها عن متابعة ومحاسبة الجناة ووقف اتساعه. هذه الصورة عمقت أزمة الثقة ما بين الحكومة والشعب وما بين مؤسسات الدولة ونخبها السياسية.
لم يكن التراجع على مستوى الإصلاح السياسي بل طال الموضوع عملية الإصلاح الاقتصادي من خلال اعتماد الحكومة مفهوم مضلل تم صياغته من قبل صندوق النقد (إعادة الهيكلة والتصحيح) والذي لم يكن يعني سوى تقليص دور الدولة في التنمية والرعاية الاجتماعية واقتصار معالجة مشكلات العجر في الموازنة من خلال الرفع المتكرر للضرائب بشقيها المباشر وغير المباشر مضافاً لكل ذلك ارتفاع في معدل البطالة التي وصلت إلى نسبة (18%) وارتفاع دائرة الفقر.
إن حكومتنا لم تتوقف للحظة واحدة للنظر في جدوى السير في هذا النهج ولم تحاول ولو مرة واحدة أن تقدم رؤية مغايرة ترتكز على الاعتماد على الذات.
إن أخطر ما ننتظره هو ما يترتب عن التوجه الحكومي لإقرار سلسلة من الضرائب دون أي شعور بوخزة ضمير جراء ما سيتسبب ذلك من فقر وحرمان ومعاناة.
يتساءل المواطنون ونتساءل معهم كذلك: لماذا لم يتم ملاحقة التهرب الضريبي الذي يتجاوز حدود (600) مليون دينار سنوياً؟؟ ولماذا تستمر المؤسسات المستقلة والتي ينوف عجز ميزانياتها عن (800) مليون دينار؟؟ وهل يمكن أن تتم معالجة الأزمة الاقتصادية دون فتح الباب على مصراعيه لمحاربة الفساد؟؟ إنها أسئلة مشروعة نعرف أن الحكومة لا تجرؤ على فتحها لأنها أعجز من أن تواجه الشرائح المتنفذة صاحبة المصلحة في كل ذلك، الأمر الذي يجعل من رحيلها وتشكيل حكومة إنقاذ وطني مطلباً ملحاً عدا عن كونه ضرورة وطنية.