الألغاز في اتفاقيات الغاز
منذ الولادة المشوّهة للكيان الصهيوني وهو يحاول وضع الخطط الإستراتيجية لمستقبله، والتي من ضمنها خطط التوسع الجغرافي، كي يتمكن من السيطرة الجغرافية على مكامن وجود الثروات ونقاط الممرات المائية التي ستساعده على البقاء.
ومع ظهور المقاومات لهذا الكيان السرطاني؛ بدأت الخطط الإستراتيجية بالتباطؤ من جهة، وبتغيير الوجهة التوسعية من جهةٍ أخرى.
عاملان لا ينفصلان عند وضع الإستراتيجيات، هما؛ العامل الاقتصادي والعامل السياسي، وخصوصاً عند الدول التي تمتلك مصادر الطاقة، والتي أهمها، الآن، الغاز، الذي أخذ يتحول ليصبح أهم سلعة ومصدر للطاقة النظيفة ، فالصراع القائم اليوم هو “صراع الغاز”، وفي ظل تنافس اقتصادي حاد، وتغير ترتيب الخارطة الاقتصادية، ودخول لاعبين جدد إلى هذا الصراع، يصبح الغاز هو مركز المعيار الأساسي للتقدم والقوة.
تغيير في الخطط الإستراتيجية الصهيونية:
في العام 2000، أجهضت المقاومة اللبنانية المشروع الصهيوني القائم على نظرية ” إسرائيل الكبرى جغرافياً “، ودون شك، أتت حرب تموز 2006، لتقوض قدرة المشروع الصهيوني على التوسع الجغرافي.
بدأت النظريات والدراسات تصدر في الكيان الصهيوني عن “إسرائيل الكبرى سياسياً واقتصادياً”، ومن هنا كان البحث عن مجالات أخرى للتمدد في هذين البعدين.
منطقة حوض شرق المتوسط تدخل قلب معركة الغاز:
في عام 2000، نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط خريطة تظهر بأن هنالك حقولاً هائلة من الغاز في منطقة حوض شرق المتوسط الممتدة بين فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص. ووفق المعطيات التي أعلنتها هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية، المثيرة للاهتمام، قُدِرَ الاحتياطي بـــ 3500 مليار متر مكعب في منطقة شرق المتوسط أو (حوض الشام).
فلسطين المحتلة، غاز يبحث عن سوق:
في عام 2009 اكتشفت شركة نوبل إنيرجي الأمريكية حقل غاز “تامار” غرب ميناء حيفا، وفي العام التالي أعلنت الشركة نفسها عن اكتشاف حقل “ليفياثان”، شمال حقل تامار. (إسرائيل) التي بدأت باستخراج الغاز من حقل تامار للاستخدام المحلي، وجدت في حقل ليفياثان احتياطي كبير من الغاز بما يكفي لتصديره.
وكان السؤال هو كيف سيتم تصدير الغاز من حقل ليفياثان، وإلى أي جهة سيتم تصديره؟ والسؤال الآخر هل يتم استعمال خطوط أنابيب أو التصدير عبر تجهيز منشآت الغاز الطبيعي المسال (والتي تكلّف مليارات الدولارات)؟ هذه هي الخيارات لدى (إسرائيل) وهي خيارات ليس من السهل اتخاذها لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية السياسية والأمنية!!
كان الضغط الأمريكي باتجاه أن يوقع الأردن والكيان الصهيوني اتفاقية تنص على إمداد الأخيرة الغاز للأردن، من منطلق ترسيخ محور دول الاعتدال العربية مع إسرائيل. اتفاق وصفه وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم بالإنجاز وبأنه “عملاً تاريخياً، زاعماً بأنه سيحول إسرائيل إلى قوة عظمى للطاقة توفر احتياجات جيرانها، وتعزز مكانتها كعامل مركزي في تزويد الطاقة في المنطقة!”.
بالنتيجة، من يمتلك طاقة الغاز ويصدّرها، سيكون من القوى العظمى في العالم في المدى المتوسط والبعيد، فهل اتفاقية الغاز بين الكيان الصهيوني والأردن، هي إحدى الخطوات التي ستجعل من الكيان الصهيوني قوة اقتصادية عظمى؟!
الأردن ممر عبور آمن:
تعتبر أوروبا من أكبر الأسواق التي تستورد الغاز في العالم، والتي تبحث عن بدائل لمصادر استيرادها، لتخفيف تبعيّتها للغاز الروسي (بعد إفشال روسيا لخط نابوكو)، فكان التوجه الأمريكي والأوروبي من استيراد الغاز من منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وخصوصاً الغاز العراقي و(الإسرائيلي)، وربطه بخط أنابيب تاب في تركيا لإيصاله للسوق الأوروبية.
خط تاب بكميته المتوافرة، لا يكفي حاجة السوق الأوروبي، فرأت واشنطن وأوروبا أنه يجب أخذ بعضاً من غاز شرق المتوسط، ولهذه الغاية، اقتُرِح إمداد الغاز العراقي والإسرئيلي عبر خط الغاز العربي، وهو خط أنشئ في الأصل لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى دول المشرق العربي، ليصار إلى ربطه بخط تاب في تركيا، حيث من الممكن أن تكتب الحياة لهذا الخط، إذا تم هناك اتفاق سياسي بين الدول التي يمر فيها، لكي يصل الغاز العربي إلى أوروبا.
ينطلق خط الغاز العربي من شمال سيناء إلى طابا ثم إلى جنوب الأردن (العقبة)، فإلى شمال الأردن (والذي تم الانتهاء منه عام 2005)، ثم إلى حمص في سورية، حيث يتفرع منه خطان، أحدهما إلى بانياس على الساحل السوري، والآخر إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان. وفي عام 2008، تم ربط خط الغاز العربي بخط أنابيب فرعي من العريش في شمال سيناء إلى عسقلان لتصدير الغاز المصري إلى (إسرائيل). وهكذا لن يتبقى من المقترح سوى ربط خط الغاز العربي من حمص في سوريا بشبكة أنابيب الغاز عبر خط تاب في تركيا ومنه إلى السوق الأوروبية _ حسب ما يراه خبراء الغاز _.
(إسرائيل) التي تعتبر نفسها في منطقة حساسة، بين مقاومات عربية نشطة، تجد في الأردن _ الذي وقّعت معه معاهدة السلام “وادي عربة”_، منفذاً لها للتمدد السياسي والاقتصادي، لذلك حرصت على توقيع اتفاقية لتصدير الغاز إلى الأردن، والتي ترى فيه المنفذ الاقتصادي والسياسي الآمن لتمرير غازها، وبمرور الوقت إلى أوروبا. إن مخاطر اتفاقية الغاز تكمن في الخطر الحقيقي على الأمن الوطني والقومي للأردن.
دور الغاز سيتعاظم مع الوقت، لذا سوف تشتد حدة الصراع على حقول الغاز وعلى خطوط النقل وممرات الغاز وأسواقه، ومن يتابع حرب الغاز سيراوده سؤال مقلق، هل ستتجه حرب الغاز إلى تسوية أم إلى تصعيد قد يتطور إلى مواجهة عسكرية شاملة؟