الأستاذ نجاح واكيم رئيس حركة الشعب لـ نداء الوطن: الانتصار في حلب سيشكل المنطلق لاستنهاض حركة التحرر العربية
الأستاذ نجاح واكيم رئيس حركة الشعب اللبنانية، والنائب السابق في البرلمان اللبناني، هو ضيفنا لهذا العدد، وحديث مشوق حول الوضع الداخلي اللبناني في ظل العهد الجديد، و”الديمقراطية الطائفية”، والتطرق إلى العلاقات اللبنانية السورية، ومستقبل سورية بعد معركة حلب التاريخية. إضافة إلى حديث حول الجبهة العربية التقدمية ومآلات القضية الفلسطينية.
نداء الوطن: مع انتخاب العماد ميشيل عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، وقرب التوصل إلى تفاهمات حول قانون الانتخاب. كيف يقرأ نجاح واكيم المشهد اللبناني الداخلي؟ وهل أصبحت “الديمقراطية الطائفية” قدر الشعب اللبناني؟ وأين موقع القوى التقدمية والديمقراطية في هذا المشهد؟
واكيم: ربما تحتاج الإجابة عن السؤال الأول التذكير بعدد من الحقائق أو “الثوابت” التي يقوم عليها النظام السياسي في لبنان.
أ-إن “الدولة” في لبنان ليست في الحقيقة تلك المؤسسة المتعارف عليها دولياً. لقد كانت على مدى التاريخ الحديث، قبل الاستقلال وبعده شركة متعددة الجنسيات. أصحاب “الأسهم” الحقيقيون هي القوى الخارجية صاحبة النفوذ. أما الأسهم فهي الطوائف اللبنانية. وما زعماء الطوائف، أو بحسب التعبير الشائع “أمراء” الطوائف إلا مجرد وكلاء لأصحاب الأسهم الحقيقيين.
ب-الحقيقة الثانية هي أن لبنان لم يشهد سلاماً حقيقياً واستقراراً راسخاً على مدى هذا التاريخ الحديث. كانت أحواله تتنقل ما بين حروب أهلية ساخنة وحروب أهلية باردة. فعندما تكون موازين القوى الخارجية مستقرة إقليمياً ينعكس هذا على لبنان استقراراً سياسياً، يتمثل بتركيب السلطة الداخلية وفق موازين القوى الخارجية هذه. وعندما تكون موازين القوى الخارجية غير مستقرة وفي حالة صراع ينعكس ذلك على لبنان اضطراباً سياسياً تبلغ حد الحروب الأهلية، واضطراباً في مؤسسة الدولة يؤدي إلى انهيارها.
ج-آخر معادلة خارجية أعيد بموجبها تركيب السلطة في لبنان كانت معادلة الطائف أواخر العام 1989، التي كانت في الحقيقة معادلة أميركية – سعودية – سورية. وكانت المعادلة تلك جزءاً من عملية إعداد البلاد العربية، ومن ضمنها لبنان، لعملية “السلام” مع الكيان الصهيوني. كان ذلك في مرحلة التمهيد لمؤتمر مدريد.
هذه المعادلة بدأت تختل في العام 2000. ثم انهارت بالكامل في العام 2005، بطرد القوات السورية من لبنان بقرار أميركي، هذا القرار كان قد سبقه إصدار ما سمي “قانون محاسبة سوريا” في ربيع العام 2003، ثم القرار 1559 الذي استصدرته الولايات المتحدة الأميركية من مجلس الأمن في العام 2004. وهكذا فقد كانت السلطة في لبنان أو “الدولة” مجرد واقع شكلي لمرحلة انتقاليةلا تستند، ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث إلى معادلة خارجية واضحة ومستقرة. من هذه الحقائق أنتقل للإجابة عن السؤال الأول.
كما يعرف الجميع فإن الصراعات العاتية التي تجتاح المنطقة، ومن دون الدخول في ماهية هذه الصراعات، لا تتيح إمكانية توفير معادلة خارجية لإعادة تكوين السلطة أو الدولة في لبنان. لذلك فإن “انتخاب” ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة لا يشكلان مدخلاً لإعادة تكوين الدولة في لبنان. ولكن هذين الحدثين ليسا أكثر من عملية تمديد للفراغ الهش المستمر منذ العام 2005. ولكن هل يمكن إعادة بناء السلطة وفق ما يسمى “الديمقراطية التوافقية” أو “الديمقراطية الطائفية”؟
نظرياً هذا ممكن. إذا توفرت في المنطقة معادلة تعكس موازين القوى الخارجية الدولية والإقليمية في المنطقة. غير أن القراءة الموضوعية للصراع العالمي في هذه المرحلة، وبالتحديد في منطقة “الشرق الأوسط”، لا تبشر بإمكانية توفر هذه المعادلة في مدى منظور، ما يجعل لبنان معرضاً في أية لحظة لانهيار شامل، ليس على مستوى الدولة وحسب ولكن كوطن.
[quote arrow=”yes” align=”left”]السيرة الذاتية:
ولد في البربارة ،عام 1946 ، قضاء جبيل.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة الجامعة الوطنية في عاليه وفي مدرسة الشويفات، درس الحقوق في جامعة بيروت العربية ومارس مهنة المحاماة كمحام متدرج لمدة سنتين ونصف قبل أن ينهي تدرجه ترشح للانتخابات النيابية في العام 1972 منفردا في دائرة بيروت الثالثة التي كان التنافس فيها على أشده
•كان مرشحا عن المقعد الأرثوذكسي الذي تنافس عليه مع مرشحين ، أحدهم كان الأستاذ نسيم مجدلاني وهو وزير خارجية سابق
•انتمى نجاح واكيم إلى الحركة الناصرية وترشح باسمها . دخل السجن قبل الانتخابات بتهمة انتقاد رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية.
•في انتخابات العام 1972 ، في مواجهة لائحة السلطة التي عمدت إلى تزوير الانتخابات وبالرغم من ذلك فقد فاز بعدد كبير من الأصوات.
•خلال الحرب الأهلية ، بقي في بيروت وكانت مواقفه دائما ضد الحرب ، بكل أطرافها وخلال تلك الفترة لم ينتم إلى أي فريق من الفرقاء المتورطين في الحرب .
•على اثر مؤتمر الطائف وفي عهد إلياس الهراوي ورفيق الحريري اتخذ موقف المعارضة الشديدة لسياسات الحكم ، كما انتقد صراحة الفساد السياسي والإداري الذي استشرى في ذلك العهد حيث كان الهراوي والحريري ابرز أبطال هذا الفساد .
•حاولت السلطة اكثر من مرة نزع الحصانة النيابية عنه ، والضغط عليه من اجل وقف معارضته ولكنها لم تفلح .
•له ثلاث كتب: الثورة والعالم الثالث، الأيادي السود، الوهم والأمل بالإضافة إلى عدد كبير من المقالات في الصحف العربية والمحلية.
•تعرض لعدة محاولات اغتيال ، كان أبرزها في 1/10/1987.
•رئيس “حركة الشعب” في لبنان.
•أحد مؤسسي “الجبهة العربية التقدمية”.[/quote]
إن إنقاذ لبنان من هذا الخطر الحقيقي والمحدق يفترض تجاوز الصيغة الطائفية، أي تجاوز الدولة “الشركة المتعددة الجنسيات” إلى صيغة وطنية حديثة تعيد بناء الدولة والمجتمع على أسس سليمة وراسخة. هذه العملية تحتاج إلى قوة وطنية تقدمية فاعلة تقود إلى هذا التغيير وسط حقول الألغام المتشابكة في الساحة اللبنانية. وهذا يعود إلى حديث طويل حول أزمة القوى الوطنية التقدمية، ربما نتطرق إليها في مرة قادمة. أما عن واقع هذه القوى اليوم وموقعها فهي بكل أسف مهمشة وضعيفة.
نداء الوطن: هل تعتقد بأن الرئيس ميشيل عون لديه الرغبة أولاً والقدرة ثانياً على فتح ملفات الفساد التي كان دائماً ما يطالب بفتحها ومحاسبة كافة المسؤولين عنها؟
واكيم: لا يمكنني أن أتحدث عن رغبات الرئيس ونواياه لجهة فتح ملفات الفساد أو غيرها، ولكن تجربة كتلته في هذا المجال، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات لا تبعث على التفاؤل، خصوصاً أن تناولها لموضوعات الفساد لم يتعد الخطاب الإنشائي. غير أن المسألة الأهم في هذا المجال هي أن الفساد هو جزء من تركيبة النظام السياسي الطائفي في لبنان. فالطائفية السياسية، وكما أنها لم تحاسب على جرائم الحرب الأهلية بل إنها كافأت مرتكبي هذه الجرائم كذلك فإن الطائفية السياسية لم تحاسب مرة الفاسدين والمفسدين، بل إنها حمتهم وكافأتهم بتبوأ أعلى المراكز في الدولة. لذلك فإن مكافحة الفساد تبدأ بالعمل على تغيير النظام السياسي بتجاوز الطائفية. العماد ميشال عون لهذه الناحية كان يصر ولا يزال على الإبقاء على نظام الطائفية السياسية، وبالتالي – وبصرف النظر عن رغباته ونواياه – فإن لن يكون قادراً على فتح ملفات الفساد.
نداء الوطن: بأي اتجاه ستكون علاقات العهد الجديد في المنطقة؟ وهل سيكون العماد عون وفياً لتحالفاته مع حزب الله والقيادة السورية؟ وهل لتحالفه مع القوات اللبنانية وجعجع أي تأثيرات على ذلك خاصة أن التحالف مع جعجع يشمل الترتيبات للانتخابات البرلمانية القادمة؟
واكيم: لا أدري كيف يمكن للعهد الجديد أن يكون وفياً لتحالفاته مع القيادة السورية ومع حزب الله الذي يقاوم إسرائيل، وأن يكون وفياً أيضاً للقوات اللبنانية المتحالفة تاريخياً مع إسرائيل. في الحقيقة فإن توجهات السياسة الخارجية للبنان في المرحلة المقبلة تتوقف على جملة عوامل لا يتسع المجال للتطرق إليها بالتفصيل الآن، غير أن أهم هذه العوامل هو موازين القوى في المنطقة وكيف ستكون في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد انتهاء الأزمة السورية.
نداء الوطن: كيف ينظر نجاح واكيم إلى الانتصار السوري في حلب وتأثيراته على المنطقة؟ وهل لديك خشية من التقارب الروسي – التركي؟
واكيم: الانتصار السوري في حلب حدث تاريخي بالغ الأهمية والتأثير، إذ أنه يشكل نقطة تحول استراتيجي في مسار الصراع الدولي والإقليمي. المشروع الأميركي – الصهيوني لتفتيت المنطقة وإعادة رسم جغرافيتها بما يتلاءم ومشروع “الشرق الأوسط الجديد” سقط في حلب. معركة حلب اليوم تشبه إلى مدى بعيد حرب السويس في العام 1956. لذلك يمكن القول بأن الانتصار السوري في حلب سوف يشكل المنطلق لاستنهاض حركة تحرر عربية جديدة. وبالمقابل فإن الأنظمة الرجعية العربية التي عملت في خدمة المشروع الأميركي – الصهيوني سوف تدفع الثمن الأكبر لمغامراتها ورهاناتها الفاشلة. أتوقع انهيار العديد من هذه الأنظمة، تماماً كما حصل بعد انتصار اسويس.
أما بشأن التقارب الروسي – التركي، فلا يجوز النظر إليه بشكل سطحي. باختصار أقول إن تركيا لم تعد تتوهم إمكانية تحقيق أرباح في هذا الصراع، ولكنها تعمل على تقليص الخسائر. مشكلتها مع الغرب، وبالتحديد مع الولايات المتحدة الأميركية، أنها لا تريد أن تدفع الثمن الكامل لخسارة هذا المشروع نيابة عن الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، ولكنها تسعى لأن تدفع حصتها فقط من هذه الخسارة. لذلك ليست لدي أية خشية من هذا الذي يسمونه التقارب الروسي – التركي.
نداء الوطن: كناطق باسمها، كيف تنظر إلى الجبهة العربية التقدمية والدور الكبير المنوط بها في ظل هيمنة الخطاب الطائفي؟ وهل تستطيع هذه الجبهة إعادة البوصلة العربية إلى فلسطين؟
واكيم: أكدنا غير مرة أن أزمة الأمة العربية اليوم تختصر بأزمة حركة التحرر العربية. فهذه الحركة، بقواها التقدمية كافة لم تستطع بعد غياب جمال عبد الناصر أن تصوغ مشروعاً عملياً واضحاً لتحقيق أهداف الشعب العربي في التحرر والتقدم والوحدة. ومنذ العام 1970 استعاضت هذه القوى بالشعار عن المشروع، فخلفت فراغاً كبيراً في الساحة العربية مكن القوى الأكثر رجعية وتخلفاً من ملئه بهذا الخطاب الطائفي الذي تتردد أصداؤه في مختلف أرجاء الوطن العربي. إن قدرة الجبهة العربية التقدمية على صوغ هذا المشروع اليوم، واستنهاض حركة تحرر عربية سوف يقضي بالضرورة على هذا الخطاب الطائفي ويعيد تهميش القوى التي تطلق هذا الخطاب. ولكي يكون هذا المشروع العربي صحيحاً وقادراً على تحقيق آمال الأمة، يجب أن تكون بوصلته فلسطين. أؤمن بأن الجبهة العربية التقدمية قادرة على هذا.