مقالات

الأزمة الاقتصادية والبحث عن بديل / ماجد توبة

فيما ينتظر الأردنيون موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار، بعد إقرار الموازنة من قبل مجلس النواب، بما فيها من حزم ضريبية جديدة مع بعض التخفيفات الموعودة، يذهب ناشطون إلى إطلاق حملات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمقاطعة بيض المائدة والبطاطا بعد ارتفاع أسعارهما، إضافة إلى تنظيم حملة احتجاجية ضد التوجه لفرض ضريبة دينار مقطوع إضافية على الخطوط الخلوية.


قد لا يقارن ارتفاع أسعار البيض والبطاطا والخلوي، على أهميته وتأثيره على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بما يمكن أن يجره توحيد ضريبة المبيعات عند 16 % وفرض ضريبة مقطوعة على البنزين بنوعيه، وربما لاحقا، كما هو متوقع، رفع رسوم الكهرباء، من موجة غلاء وزيادة في الأعباء المعيشية على هذه الطبقات والشرائح.
كما أن حملات المقاطعة، التي قد تجدي مع البيض والبطاطا، قد لا تجدي في التعامل مع موجة الارتفاعات التي ستجرها حزمة الضرائب الجديدة، خاصة أن بعضها سلع ارتكازية كالبنزين وغيره، سيجر رفع أسعارها إلى رفع كلف سلع وخدمات أخرى، وبالتالي رفع أسعار سلسلة من هذه السلع والخدمات!
لا نناقش هنا مشروعية لجوء الناس والناشطين إلى حملات المقاطعة لسلع وخدمات يطالها الرفع، وتترك أعباء على الفقراء ومتوسطي الدخل، فهذا الفعل بلا شك مشروع ديمقراطي ووسيلة ضغط مدنية لفرض شروط إنسانية وتنظيمية على حركة السوق وجشع بعض مكوناته، لكن المشكلة الاقتصادية والمعيشية التي تواجهنا اليوم، أكبر بكثير من سعر البيض والبطاطا والخلوي، وتحتاج لأدوات وآليات شعبية ومدنية أكثر جدوى وتنظيما لمواجهتها والتخفيف من غلوائها واعبائها على الناس.
مجلس النواب، الذي كال أعضاؤه شديدي النقد للسياسات الاقتصادية للحكومة وما بنيت عليه الموازنة، مرر في المحصلة الموازنة، بما تتضمنه من حزم ضريبية، رغم توصله لتوافقات مع الحكومة على استثناء بعض السلع من الرفع، ما يعني بالمُخرج النهائي تمرير موجة الرفع المرتقبة، التي ستزيد الأعباء على الناس، بل وعلى الصناعة والاستثمار ايضا.
المعضلة الأساسية في حلول الحكومة والسياسة الاقتصادية العامة هي أنها تكرر نفسها منذ عقود، باعتمادها على سياسة الجباية والضرائب لسد العجز المتفاقم، من دون البحث عن تطوير إبداعي لقطاعات إنتاجية تحفز النمو الاقتصادي وتولد فرص العمل وتزيد بالمحصلة من موارد الخزينة، بينما تذهب الموازنة سنة بعد أخرى للتوسع بالإنفاق بصورة كبيرة، خاصة في النفقات الجارية، التي لا ترتد بنتائج على النمو الاقتصادي.
وفي التحليل النهائي، فإن مثل هذه السياسات الاقتصادية والمالية للحكومات، التي تمرر بالتشارك مع مجالس النواب، والتي لم تحل أزمة الاقتصاد الوطني المتواصلة، لم تكن لتمر بصورتها القاصرة، لو كان هناك مجتمع مدني أردني فاعل ومتبلور حقيقة! نعم؛ ثمة غياب، أو بالأحرى تغييب للمجتمع المدني ومؤسساته، بعد أن تعرض، بمختلف تلاوينه وقطاعاته، أحزابا ونقابات مهنية وعمالية ومؤسسات أهلية وتنظيمات طلابية، لاستهداف وتهميش رسمي متواصل، وضرب لبناه، حتى باتت هياكل شكلية من دون تأثير حقيقي إلى حد كبير على السياسة العامة.
اليوم، لا يدفع الناس فقط ضريبة ضرب وتهميش مؤسسات المجتمع المدني، بل وتدفع الحكومة ومؤسسات الدولة الرسمية مثل هذه الضريبة أيضا، ففيما تجد الحكومة نفسها مضطرة اليوم لاتخاذ قرارات رفع الأسعار والضرائب لسد عجز الموازنة الملح، والخروج من عنق الزجاجة، فإنها تجد نفسها في ذات الوقت مستنفرة وأمام احتمال توليد حجم واسع من المشاكل الاجتماعية والسياسية والأمنية.
قد لا يملك أحد اليوم حلولا سحرية وعاجلة للأزمة الاقتصادية الخانقة، لكن تواصل هذه الأزمة وتفاقمها، وفشل كل الوصفات المجربة حكوميا، يستدعي العودة للناس، وعبر مؤسسات المجتمع المدني، التي تمثلهم كما يفترض، للخروج بخريطة طريق اقتصادية بديلة، يتم التوافق عليها وطنيا، علها توقف الانحدار الذي يفتح بتهديداته وأخطاره البلاد على المجهول!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى