ارتفاع في نسب الفقر وأرقام رسمية مضللة وغياب المتابعة النيابية والشعبية
“الفقر مشكلة تنموية رئيسة تتطلب تبني الدولة سياسة شاملة لتحسين حياة الفقراء والمحرومين اجتماعيا. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لمكافحة الفقر فإن أعداد الفقراء في تزايد ونسب الفقر تراوح مكانها، ورغم وضع الخطط والبرامج التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها والتي كان آخرها وثيقة الأردن 2025 : رؤية واستراتيجية وطنية، و الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر 2013-2020، إلا أن تلك الخطط والاستراتيجيات بقيت مجرد وثائق بسبب عدم تخصيص موازنات لتنفيذها؛ إذ من خلال مثل هذا النهج فقط يمكن أن يلمس المواطن قدرة الحكومة على مواجهة التحديات الاقتصادية، ووقف تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، ومعالجة عجز الخزينة، وتوفير فرص عمل لحل مشكلتي الفقر والبطالة، ومشكلات الطاقة والنقل والمواصلات”. التـقريــر السـنـوي الثاني عـشـر لحالة حقوق الإنسان في الأردن لعام 2015 الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان.
14% هي آخر نسبة معلنة رسمياً للفقر في الأردن، ضمن تقرير حالة الففقر في الأردن لعام 2010، والتي أعلنت الحكومة نتائجها في عام 2012.
ومنذ ذلك التاريخ لم تقم الحكومة بإصدار، أو لنكن أكثر دقة، لم تقم بالإعلان رسمياً عن أية تقارير متعلقة بالفقر، وذلك على الرغم من قيامها بإجراء التعداد السكاني في عام 2015 ، وعلى الرغم من التسريبات التي تم نشرها في إحدى الصحف اليومية حول تقرير لحالة الفقر في الأردن أجرته الحكومة في عام 2012 وأظهر ارتفاع نسبة الفقر إلى 20%.
سرية أرقام الفقر في الأردن وغياب الشفافية
وتشرح الكاتبة في جريدة الغد والمختصة بملفات الفقر الأستاذة سماح بيبرس، في حديث خاص لـ نداء الوطن، أسباب عدم نشر الحكومة لنتائج الفقر لعام 2012، حيث تؤكد على أن نشر هذه الأرقام كان سيثبت فشل الحكومات في معالجة الفقر، وتحديدا حكومة عبدالله النسور التي أدت سياساتها الاقتصادية وقراراتها الى ارتفاع الأسعار، وبالتالي انخفاض مستويات المعيشة بنسب كبيرة.
كما نوهت الأستاذة بيبرس، إلى أن إخفاء الحكومة لأرقام الفقر في الأردن لن يغير من الواقع شيئاً، ولن يؤثر على سياسات معالجة الفقر، لأنّ الحكومات “لا تضع معالجة الفقر ضمن أهدافها” وتكتفي بذكر هذه المشكلة في ردودها على كتب التكليف السامية دون أن يكون هناك خطوات حقيقية لمعالجتها.
المستشار الخاص لرئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي –جهة رسمية معنية بتقديم الاستشارات والتوصيات للحكومة وقدمت بالتعاون معها استراتيجية مكافحة الفقر 2013-2020- الأستاذ أحمد الرجوب أكد في حديث لـ نداء الوطن أن “الأسباب التي أدت إلى عدم نشر الحكومة أرقام نسب الفقر هي اللجوء السوري وتداعياته، مما أدى الى حصول اللاجئين على فرص عمل وكذلك أدى إلى رفع الأسعار نتيجة لزيادة الطلب”.
الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر
في تقريرها حول حالة الفقر لعام 2010، تشير الحكومة إلى أن خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) بلغ 813.7 دينار للفرد سنوياً، أي 68 دينارً للفرد شهرياً. وعلى مستوى الأسرة المعيارية والمكونة من (5.4) فرد، بلغ خط الفقر (4394 ديناراً سنوياً) أي 366 دينار شهرياً. أي أنه بالمتوسط، فإن أية أسرة يبلغ راتب معيلها أو ممجموع رواتب معيليها أقل من 366 دينار شهرياً فإن الأسرة كاملة تدخل في خانة الفقر المطلق.
أرقام الفقر ومتوسط الأجور
ووفقاً لدراسة أعدتها دائرة الإحصاءات العامة حول الأرقام القياسية للأجور، فإن متوسط أجور العاملين في الأردن لعام 2010 بلغ 391 دينار (403 للذكور، و359 للإناث). وهو رقم يقارب خط الفقر المطلق، ما يوحي بأن الأرقام الحكومية –على شحها- هي أرقام مشكوك في دقتها.
ويلفت الرفيق جميل الخطيب عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية ومسؤول الدائرة العمالية في الحزب إلى أن خط الفقر المطلق للأسرة مع زيادة نسبة التضخم وصل في عام 2015 إلى (417) دينار شهرياً (وفقاً للمرصد العمالي). ويضيف الرفيق الخطيب في حديث لـ نداء الوطن، أن الكارثة تصبح أكثر وضوحاً إذا علمنا أن أكثر من (62%) من العاملين والمشتركين في الضمان الاجتماعي يحصلون على رواتب شهرية تبلغ (400) دينار فما دون حسب الارقام الرسمية لمؤسسة الضمان الاجتماعي.
محاور الاستراتيجية والسياسات الحكومية المناقضة لها:
وتنقسم الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر 2013-2020 والتي أطلقتها وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء (UNDP) ، إلى خمسة محاور استراتيجية. ويرى الخبراء أن سياسات الحكومات الأردنية في الأعوام الأخيرة تتناقض وتوجهات الاستراتيجية بمحاورها الخمسة.
ففي محور الرعاية الاجتماعية: قامت الحكومة بتخفيض الدعم الحكومي للسلع بعكس توجهات الاستراتيجية في هذا المجال. فقامت برفع أسعار المحروقات ورفعت نسبة الضريبة على السلع الأساسية وغيرها.
بلغت نسبة الفقر في الأردن عام 2010 ( 14.4 %) باعتماد السلة الاستهلاكية للأسر في نفس العام، وهي نسبة الأفراد الذين يقل إنفاقهم عن متوسط خط الفقر العام للمملكة.
تعريف الفقر: عدم قدرة الفرد على تلبية الحد الأدنى من الإحتياجات الأساسية التي تكفل له حياة كريمة والغذاء الرعاية الصحية والتعليمية والمواصلات ، والسكن، والملبس ، وهي الإحتياجات لبقاء الفرد حياً وحفظ كرامته الإنسانية وتمكينه من مزاولة نشاطه العادي بما ينسجم مع العادات والتقاليد و أنماط المعيشة السائدة بالمجتمع.
وللفقر عدة أنواع، أهمها: الففقر المدقع (فقر الغذاء) والفقر المطلق.
خط الفقر المدقع ويعرف خط فقر الغذاء: يعرف على أنه مستوى الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية التي تؤمن له السعرات الحرارية اللازمة لممارسة نشاطاته الإعتيادية اليومية وبقائه حياً. بلغ خط الفقر المدقع للأسرة (خط فقر الغذاء) ما قيمته 151.2 ديناراً شهرياً بلغ 336 ديناراً سنوياً أي 28 ديناراً للفرد شهرياً.
خط الفقر المطلق أو العام: ويعرف على أنه مستوى الدخل أو الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الاحتياجات الغذائية والاحتياجات غير الغذائية الأساسية التي تتعلق بالسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات. وبلغ خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) 813.7 دينار للفرد سنوياً، أي 68 دينارً للفرد شهرياً. وعلى مستوى الأسرة المعيارية والمكونة من (5.4) فرد، بلغ خط الفقر (4394 ديناراً سنوياً) أي 366 دينار شهرياً.
وفي محور التشغيل، فإن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، ستجعل مهمة تفعيل هذا المحور أقرب إلى المستحيل، خاصة مع توجه حكومي لتقليص التعيينات، والانخفاضات في أجور العاملين في القطاع الخاص وتقليصها في الأعوام الثلاثة الأخيرة. كما أن بقاء الحد الأدنى للأجور عند حدود 190 دينار لا يساهم في تعزيز وتفعيل هذا المحور.
وفي محور خدمات الصحة والتعليم: يشير الخبراء إلى أن الحكومة تخطو بشكل متسارع نحو خصخصة القطاع الصحي والتعليمي بما يخالف توجهات الاستراتيجية. ويلفت الخبراء إلى بدء الحكومة استيفاء رسوم على الخدمات التي تقدمها المراكز والمستشفيات الحكومية، إضافة إلى محاولات خصخصة مستشفى الأمير حمزة التي تراجعت عنها الحكومة بعد ضغوطات شعبية. كما أن الحكومة ماضية برفع يدها عن الجامعات الرسمية، حيث تم تقليص الدعم الحكومي لهذه الجامعات ليشكل مجموع ما تقدمه الحكومة من دعم لهذه الجامعات أقل من 8% من إجمالي ميزانياتها.
المحور الرابع للاستراتيجية والمتعلق بالزراعة، خصصنا بالتفصيل في القسم الثاني من هذا الملف، ما آلت إليه أوضاع القطاع الزراعي في ظل السياسات الحكومية والتي أدت وفق المختصين إلى تدهور هذا القطاع. أما المحور الخامسن فيتطرق إلى النقل والإسكان، حيث لم تكتف الحكومة برفع يدها عن دعم النقل العام، بل إنها قامت في الأعوام الأخيرة بتعويم رسوم النقل لتربطها بأسعار النفط العالمية. ويشير تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى أن المواصلات تشكل عبئاً مادياً على دخل المواطن الشهري؛ إذ تستنزف ما نسبته 25%-30% من موازنته الشهرية. ووفق تقرير المركز، فإن 47% من المواطنين يعتمدون على النقل العام.
أهداف الاستراتيجية وأوهام خفض الفقر إلى 6%
أكدت الاستراتيجية على أن الهدف الكلي لها يتمثل باحتواء وخفض الفقر والتعرض وعدم المساواة في البيئة الإجتماعية-السياسية الحالية في الأردن، في الفترة 2013-2020 ، عن طريق اعتماد توجه كلي يركز على النتائج، ويستهدف الفقراء والأسر المعرضة (دون الطبقة الوسطى) للوصول إلى نسبة فقر 6% بحلول عام 2020. الأمر الذي يبدو مستحيلاً في ظل السياسات الحالية للحكومة، والمتناقضة مع توجهات وآليات الاستارتيجية المقترحة لخفض نسبة الفقر.
ويرى الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة درعاوي أن الحكومات تضع توقيتات بعيدة بنظرها، أو في أقل الأمور أن هذا التوقيت بعيد عن وجودها كحكومة، وستخلفها حكومة أخرى ولن تتحمل نتائج أي توقيت قد تضعه. مستطرداً أن قد آن الأوان وقبل إقرار أية موازنة جديدة، محاسبة الحكومة التي وضعت الموازنة أو استراتيجية أو حتى خطة تنفيذية.
فيما تلفت الكاتبة في صحيفة الغد سماح بيبرس إلى عدم جدية أي سياسة حكومية في معالجة الفقر وغيره من المشكلات التي تؤدي إليه. فالحكومة –وفق بيبرس- فاشلة في معالجة البطالة التي باتت ترتفع يوماً بعد يوم، وأخفقت في إيجاد “شبكة أمان اجتماعي” ناجعة تدعم الفقراء والطبقة الوسطى التي ينزلق جزء منها كل عام الى الطبقة الفقيرة.
وتضيف الكاتبة بيبرس أن أغلب السياسات والاستراتيجيات التي تطبقها الحكومة تساهم في زيادة أعباء المواطن وزيادة الفقر خصوصا في جانب زيادة الضرائب والرسوم بشكل مستمر.
الفقراء العابرون: لا عزاء للفقر “المؤقت”
في تقرير للبنك الدولي حول الأردن، أشار إلى دراسة حديثة أجراها البنك عن جوانب الفقر، تشير إلى أنّ ثلث السكان في الأردن عاش دون خط الفقر، أقّله خلال ربع واحد من أرباع السنة. ويطلق على هؤلاء مصطلح “الفقراء العابرون”.
وعلى الرغم من أهمية هذه الفئة، وخطورتها خاصة مع وجود إمكانية حقيقية لتدخل في خط الفقر المطلق بشكل دائم، إلا أنها غابت تماماً عن الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر.
وتشير الكاتبة سماح بيبرس في حديثها لـ نداء الوطن إلى أنّ “الفقراء العابرون هم “طبقة وسطى” بالأصل وهي تخرج منها خلال فترة من العام وتعود لها.
الحد الأدنى للأجور: مكانك سر
في شباط الماضي، أعلنت الحكومة الأردنية عن التفكير الجدي رفع الحد الأدنى للأجور, نتيجة ارتفاع نسب التضخم والغلاء المستمر في السنوات الأخيرة. إلا أن هذا التفكير الحكومي اصطدم برفض مطلق من قبل أصحاب العمل، ما أدى إلى وضع ملف الرفع في أدراج الوزارة. ويؤكد الرفيق جميل الخطيب عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية أن الحد الأدنى للأجور والبالغ (190) دينار يقل عن نصف خط الفقر المطلق، مطالباً الحكومة –إذا ما كانت جادة (وهذا غير وارد) في معالجة ظاهرة الفقر- برفع الحد الأدنى للأجور ليتساوى مع خط الفقر للأسرة والبالغ (417) دينار.
فيما يبرر الأستاذ أحمد الجبور عدم رفع الأجور، بسبب الظروف الاقتصادية التي يعاني منها القطاع الخاص، مشيراً إلى وجود مباحثات مع القطاع الخاص لرفع الأجور بالتوافق مع القطاع الخاص.
الفقر: أزمة وطن
ملف الفقر ملف هام وخطير، وتزداد أهميته مع موجة القرارات الاقتصادية القادمة للحكومة. كما أنه ملف يرتبط بكافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية ، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذا الملف يغيب عن أدبيات الكثير من القوى والفعاليات الحزبية والمقابية والنيابية، بل إننا لم نسمع البرلمان ناقش يوماً قضية الفقر بعموميتها، وإنما كان يتم طرح الفقر في مناطق محددة وفق مصالح هذا النائب أو ذاك.
ويبدو أن الحكومة مرتاحة لغياب أي صوت يطرح هذا الملف بقوة وجرأة. ومن الواضح أن الإجابات “المختصرة” التي قدمها لنا الأستاذ أحمد الجبور المستشار الخاص لرئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي –هيئة رسمية- ، “تختصر” واقع التعاطي الحكومي مع ملف الفقر: استخفاف، تلاعب بالأرقام، غياب الشفافية وطرح استراتيجيات لـ”لاستهلاك الدولي” أمام وفود الأمم المتحدة والوفود الغربية، بينما على أرض الواقع تقوم الحكومة باتخاذ كل ما يلزم لرفع نسبة الفقر في الأردن وتحويله إلى ظاهرة عامة.