اتفاقية الغاز “الإسرائيلي”.. معركة لا يمكن كسبها
لم يتوقف الجدل حول اتفاقية الغاز “الإسرائيلي” التي وقعتها الحكومة مع شركة “نوبل إنيرجي” الأميركية، وليس مرجحا أن يتوقف في المستقبل القريب، كما هو الوضع في كل ما يتعلق بأشكال العلاقة مع إسرائيل. ولنا في اتفاقية السلام “وادي عربة” مثال؛ فقد مضى على توقيعها 22 عاما، لكن لا يمر يوم من دون أن يرد ذكرها في وسائل الإعلام، وبيانات الأحزاب والنقابات المطالبة بإلغائها.
لا يوجد انقسام بالمعنى الحرفي حول الاتفاقية، على ما ظهر من سجالات الأسبوعين الأخيرين. هناك، على ما يبدو، أغلبية ساحقة من الرأي العام تعارض الاتفاقية لاعتبارات سياسية ووطنية، حتى مع إقرارها الضمني بوجود منافع اقتصادية لها. صنف آخر من المعارضين يرفضها لأسباب سياسية واقتصادية أيضا، ويؤمن بأن هناك بدائل اقتصادية أفضل من الاتفاقية.
التأييد للاتفاقية ينحصر في أوساط الحكومة، وطبقة من رجال الأعمال المهتمين بالمنافع الاقتصادية أكثر من غيرها. بيد أن هؤلاء يتجنبون التصريح بوجهة نظرهم علنا، أو الكتابة دفاعا عن الاتفاقية في وسائل الإعلام.
وفي داخل الفريق الوزاري نفسه، فإن آخر سؤال يتمنى الوزراء أن تطرحه عليهم هو المتعلق بموقفهم من اتفاقية الغاز؛ فلسان حالهم يقول: اتفاق لا بد منه، ولا يمكن الدفاع عنه.
لم يتوفر لنا بعدُ استطلاعٌ علمي لتوجهات الرأي العام حيال الاتفاقية. لكن بالنظر إلى نتائج مسوحات سابقة أظهرت أن 99 % من الأردنيين يعتبرون إسرائيل عدوا، فإنه يمكن بسهولة توقع نتائج الاستطلاع حول اتفاقية الغاز. هذا على الرغم من تواضع نسبة المستجيبين لحملة “طفي الضو” على مستوى المملكة.
لا أعتقد أنه كان لدى الحكومة أوهام حول موقف الرأي العام من الاتفاقية قبل توقيعها، ولهذا لم تبذل الكثير من الجهد لكسب الرأي العام إلى جانبها بشكل مسبق، وتجنبت تغطية “حفل التوقيع” بوسائل الإعلام. وأكثر من ذلك أستطيع القول إن الحكومة، برئيسها وفريقها الوزاري، كانوا يأملون بمعجزة حتى اللحظة الأخيرة تمنع توقيع الاتفاقية.
واضح أن الوقت قد نفد منهم، ولم يكن هناك أي هامش للمناورة والتأجيل؛ فقد استغل رئيس الوزراء السابق د. عبدالله النسور كل ما كان متاحا من مناورات وتكتيكات لتفادي توقيع الاتفاقية في عهد حكومته، ونجح في ذلك. وعندما حل د. هاني الملقي مكانه، وجد أنه يلعب في الوقت الضائع.
اتفاقية الغاز مع إسرائيل هي نوع من القرارات التي لا يمكن الدفاع عنها شعبيا أو أن تحظى بمباركة الشعب. يتعين أن يكون ذلك معلوما للمسؤولين. وحتى لو كلفت الحكومة أمهر شركات العلاقات العامة في العالم لإدارة حملة كسب تأييد نصف المواطنين، فإنها ستفشل فشلا ذريعا.
بالنسبة لصاحب القرار، المقاربة في غاية التعقيد، وتخضع لحسابات سياسية واقتصادية مشروعة من وجهة نظره. لكن بالنسبة للرأي العام، المقاربة بسيطة جدا؛ إسرائيل عدو يحتل أراضي عربية، والغاز فلسطيني سرقته إسرائيل وتبيعه لنا باتفاقية ستدر على خزينتها مليارات الدولارات.
الموقفان كخطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، تماما مثلما هو الموقف من إسرائيل منذ توقيع معاهدة وادي عربة. وعلى الطرفين؛ الحكومة والشارع المعارض، أن يقرا بذلك، لا بل ويتعايشا مع هذه الحقيقة.