أخبار محلية

اتفاقيات صندوق النقد: مزيد من المديونية والفقر والتبعية وضرب للاقتصاد الوطني ينذر بعودة الحراك

القرارات الحكومية بموجة جديدة من رفع الاسعار ليست مفاجئة ولا صادمة، فقد اجمع المراقبون والمحللون على ان حكومة الملقي دورها الرئيسي سيكون محصوراً باستكمال تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي الذي بدأته حكومة فايز الطراونة ومن بعدها حكومة النسور.

الدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة والتموين ومسؤول الملف الاقتصادي بالحكومة، أكد أن الحكومة اتخذت سلسلة من الإجراءات والقرارات تنفيذاً للاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي. حيث سيتم بموجب هذه الاتفاقية رفع اسعار الكهرباء والمياه ابتداءً من العام القادم، كما سيقوم برفع اسعار الخبز في خطوة تنتظر قراراً امنياً فيما يتعلق بتوقيته. إضافة إلى قيام الحكومة برفع سعر البنزين والسولار 2.5 قرش/لتر، وإلغاء التخفيضات على ضريبة الملابس والأحذية، ورفع الضريبة على السجائر والكحول، وإعادة النظر بإعفاءات ضريبة الدخل .. الخ.

معالجات آنية ومديونية دائمة

الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية ومنسق حملة الخبز والديمقراطية أكد في حديث لـ نداء الوطن أن المعضلة تكمن في أن الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها بناء على الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي تحت مسمى “برنامج التصحيح المالي والهيكلي للأعوام 2016- 2019″ تقوم على نفس الفلسفة والنهج المتبع من قبل الحكومات السابقة ، وبناء على توصيات نفس المرجعية (صندوق النقد الدولي) ، والمتمثلة بزيادة الإقتراض الخارجي ، وزيادة الإيرادات من التحصيل الضريبي والرسوم بأنواعها ، و”اجراءات اصلاحية أخرى” ، وهدفها الرئيسي كما أعلن وزير المالية عمر ملحس ، الحفاظ على نسبة اجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بحدود ما كانت عليه في العام 2015 ، أي 94% ، أي أنها تنطلق في معالجة الأزمة الاقتصادية وعجز الموازنة  والمديونية المتفاقمة  من نفس الوصفات  والحلول التي أدت  لها سابقاً.

ويرى الخواجا أن هذه الوصفات والسياسات الاقتصادية والتي طُبِقت من قبل الحكومات السابقة و كرست اعتماد الاقتصاد الوطني على القروض الخارجية ، وجعلت من الضرائب والرسوم المصدر الأساسي للإيرادات (بحيث تجاوزت 82% من مجموع الإيرادات) ، وأغفلت تطوير القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية ، واتخذت الاجراءات التي أضعفت القدرة التنافسية للمنتج الوطني ، وحفزت “اقتصاد الخدمات” وقطاع الاقتصاد المالي الوهمي ، كل هذه السياسات لا يمكن أن تساهم في إخراج الإقتصاد الأردني من أزمته.

ويلفت الخبير الاقتصادي الأستاذ محمد البشير رئيس جمعية مدققي الحسابات الأسبق إلى أن صندوق النقد الدولي كركن من أركان النظام الاقتصادي العالمي الجديد يخدم بتوصياته التوجهات الغربية وسياسات النظام الاقتصادي العالمي والذي تديره أمريكا وهدفه إخضاع العالم الثالث إلى هيمنة الإدارة الأمريكية بما يحقق أهدافها بشكل عام، أما في منطقتناـ فالهدف خدمة إسرائيل بشكل خاص.

ويحذر البشير في حديث خاص لـ نداء الوطن من أن الاتفاقية التي وقعت أخيراً بين الأردن وصندوق النقد هي معالجات تسليمية، ولا تقدم للاقتصاد الأردني أي إنقاذ، وإنما ستزيده إرباكاً باعتبار أن هذه الوصفات لا تساعد على التنمية وعلى تخفيض نسبة البطالة ومتلازمتها نسبة الفقر.

إصرار حكومي على تنفيذ سياسات أثبتت فشلها

ورغم تنفيذ الحكومة الأردنية “الحرفي” لاتفاقية وشروط صندوق النقد الدولي للثلاثة أعوام الماضية وما صاحبها من رفع للأسعار وفرض للمزيد من الضرائب، إلا أن هذه الاتفاقية وما تبعها من إجراءات لم تؤدي إلا إلى المزيد من المديونية، ما يطرح تساؤلاً حول أسباب الإصرار الحكومي على الاستمرار في المزيد من الاتفاقيات مع الصندوق!

ويرى الدكتور عصام الخواجا أن الإصرار على نفس السياسات يكمن في حقيقة تبعية الاقتصاد الأردني للمركز الرأسمالي العالمي منذ زمن ، وهو أساس الإعتلال المزمن والمتفاقم الذي يعانيه اقتصادنا الوطني ، وأهم أدوات المركز الرأسمالي العالمي لتكريس هذه التبعية هو صندوق النقد الدولي ، فهو لا يشجع فقط على سياسة الاقتراض الخارجي ، بل يفرض هذه السياسة ، لأنها الوسيلة الأنجع للهيمنة على قرار أي دولة اقتصادياً وسياسياً ، والدول التي رفضت هذه السياسة في العالم قليلة جداً.

فيما اعتبر الأستاذ محمد البشير أن الاقتصاد الأردني بحاجة إلى إعادة هيكلة لتغيير السياسات المالية والضريبية على وجه الخصوص من أجل إنعاشه فما تم الاتفاق عليه سيزيد من انكماشه باعتبار أن الذي اتفق عليه سيخفض من القوة الشرائية للمواطنين من خلال رفع أسعار الكهرباء وغيرها من السلع التي خضعت لها الاتفاقية.

ولفت البشير إلى أن ضريبة الدخل يجب أن توجه نحو ذوو الدخول العليا ويجب أن يرافق ذلك تخفيض ضريبة المبيعات على السلع التي يحتاجها غالبية المواطنين مما يؤدي إلى إنعاش اقتصادي من خلال زيادة الطلب على السلع وبالنتيجة تشغيل خطوط الإنتاج، والحفاظ على الصناعة الوطنية والسماح لها بمنافسة السلع المستوردة الأجنبية الرخيصة وأيضاً لتستطيع أن تنافس السلع الخارجية من خلال التصدير.

رفع الأسعار وشرارة حراك جديد

هذه القرارات لم يكن لها الخروج الى النور لولا تراجع الحراك وضعف الحركة الوطنية الاردنية وانقسامها، اضافة الى استغلال الحكومة للاضطرابات الإقليمية .

ويرى البشير أنه لا بد للحراك الشعبي والقوى الشعبية أن تتحرك لمواجهة هذه القرارات والتصدي إلى اتفاقية الإفقار (إفقار الناس) وتعرية هذه الاتفاقية ومراميها، لأنها بالمحصلة النهائية هي ضمير الناس وأداته من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأن الأجواء التي يعيشها الأردن المتعلقة الانتخابات ستزيد من وتيرة الخطاب ضد هذه الاتفاقية وآثارها على الشعب الأردني وعلى الصناعة الأردنية وبالنتيجة على الاقتصاد الأردني.

ويؤيد الدكتور الخواجا ما ذهب إليه البشير معتبراً أن هذا الواقع قد يحفز القطاعات العمالية والمهنية والنقابية على تنظيم صفوفها وتطوير أدائها الذي قد يكون مطلبياً وقطاعياً ، ويمكنه أن يتطور ليضغط باتجاه خطوات اصلاحية وتغييرية أكبر ، وأجواء الانتخابات قد تكون مناسبة لتسليط الضوء على كل مَواطِن الخلل الذي يعانيه الاقتصاد الوطني وأسبابها ، والأهم أنها فرصة للتوعية بِعُقم النهج السياسي والاقتصادي الذي قاد لتفاقم الأزمات الاقتصادية سابقاً ، و هذا النهج السياسي والاقتصادي الحاكم  يعيد الكرة باللجوء لنفس الحلول والخيارات التي أدت إلى هذا التعمق في الأزمة ، أي أننا ندخل في حلقة مفرغة ، وقد تكون محطة الانتخابات فرصة للضغط باتجاه تغيير النهج السياسي – الاقتصادي . لكن إن لم يسبقه شرط الوعي بالواقع من قبل الجماهير ووحدة قوى التغيير والإصلاح  ، فهذا الهدف لن يتحقق ، وستُكرر محطة الانتخابات ما حدث في سابقاتها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى