مقالات

إضراب المعلمين وصندوق النقد / أحمد عوض

يبدو أن الموقف الحكومي المتصلب -حتى الآن- من مسألة زيادة أجور المعلمين والمعلمات ونقابتهم والعالقة منذ خمس سنوات، ورفض الحكومة تقديم أي تعديلات على أجورهم الأساسية وعلاواتهم، يعبران عن سياسة رسمية عامة عابرة للحكومات.

ليس هذا فحسب، بل يرتبط هذا الموقف بتوجيهات (شروط) صندوق النقد الدولي، واستمرار تأكيد كبار موظفيه ضرورة تنفيذ المزيد من السياسات التقشفية من قبل الحكومة للحد من عجز الموازنة العامة المزمن للدولة.

ولتأكيد هذه الفرضية، نجد أن الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الخمس الماضية لم تستجب للمطالب المالية لغالبية موظفي القطاع العام، ومنهم العاملون في البلديات، الذين نفذوا العديد من الاعتصامات والإضرابات خلال السنوات القليلة الماضية.

عديدة الأسباب التي تستند اليها الحكومة في عدم الاستجابة لمطالب نقابة المعلمين وغيرهم من موظفي القطاع العام الذين يتشاركون في مستويات الأجور المنخفضة، لعل أهمها أنها لا تريد أن تفتح هذا الباب أمام موظفي القطاع العام لتقليد المعلمين ونقابتهم، الى جانب أسباب أخرى لا تتسع مساحة هذا المقال على سردها.

يستند صندوق النقد الدولي في فرض سياساته على الأردن الى فرضية غير دقيقة تفيد أن فاتورة أجور القطاع العام في بعض دول المنطقة ومنها الأردن مرتفعة، وأنها سبب أساسي في استمرار ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة.

ويترتب على ذلك بالضرورة، حسب الصندوق، أن تقوم الحكومات بتخفيض هذه الفاتورة؛ اذ جاء في أدبيات الصندوق بشكل صريح ومباشر أن المطلوب من الحكومات، ومنها الحكومة الأردنية، العمل على “السيطرة على العلاوات والبدلات وربط التعويضات بالأداء”.

والمدقق للخطاب الرسمي يجد أن الحكومة تستخدم ذات الخطاب والمفردات في رفضها الاستجابة لمطالب نقابة المعلمين الذين دخلوا في إضراب مفتوح عن العمل منذ بداية الأسبوع الماضي.

نضيف الى ذلك، الطريقة التي يتعامل فيها كبار موظفينا الحكوميين مع توجيهات “الصندوق” تتخذ طابع “القداسة”، ولا يجادلون فيها، وفي العديد من الحالات كانوا أكثر قسوة على المجتمع من موظفي الصندوق أنفسهم، وأمثلة ذلك عديدة أهمها التوسع الكبير في فرض الضرائب غير المباشرة المتمثلة في الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم بمختلف أنواعها، الى جانب إضعاف سياسات العمل والضمان الاجتماعي التي تمت خلال الأشهر الماضية، إضافة الى إلغاء الدعم عن الخبز قبل ما يقارب العاملين، والذي ثبت عدم جدواه.

الأمر الأساسي الذي يجب أن نؤكده أن فرضية صندوق النقد الدولي المذكورة أعلاه بنيت على بيانات حصل عليها خبراء الصندوق من الحكومات، وتم التعامل معها بدون تمحيص، لأنها تعتمد على المجاميع الكلية للأجور والعلاوات، ولم تأخذ بعين الاعتبار الفروقات في مستويات الأجور والعلاوات بين موظفي القطاع العام.

لم يكلف كبار موظفي الحكومة والصندوق أنفسهم عناء التمحيص في تبيان الأسباب الحقيقية لارتفاع فاتورة أجور القطاع العام، والتي نجمت بشكل أساسي في الأردن عن وجود طبقة من كبار موظفي الدولة يحصلون على أجور وعلاوات ومكافآت عالية جدا، الكثير منها يزيد على خمسة آلاف دينار شهريا، ولهذا الفاتورة الكلية للأجور مرتفعة.

ولم يكلف أيضا هؤلاء الموظفين في الحكومة والصندوق عناء الوقوف عند أجور وعلاوات مئات آلاف العاملين في القطاع العام الذين تقل عن مؤشرات خطوط الفقر، ويندرجون ضمن فئة العاملين الفقراء، والمعلمين والمعلمات من ضمنهم.

بقي أن نقول إن الاستمرار في سياسة إغماض العين عن تفاقم التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية باستخدام حجج مثل عجز الموازنة أو تشجيع الاستثمار أو تحفيز الاقتصاد، وعدم إعطاء العاملين بأجر “عين” للمطالبة في تحسين شروط عملهم وأجورهم، من شأنه أن يعمق أزمتنا الاجتماعية والاقتصادية ويفاقمها، ويزيد التفاوت الاجتماعي، وعندها سيخسر الجميع، الحكومة ستخسر بسبب زيادة التوترات السياسية، وعجز الموازنة سيتفاقم بسبب التراجع الاقتصادي، والمواطنون سيزدادون فقرا، ورجال الأعمال لن يستثمروا في ظل هكذا بيئة غير مستقرة.

بواسطة
أحمد عوض
المصدر
الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى