إشتراكية الزمن
يصنف الكثيرون هربرت ماركوزه فيلسوفاً مشجعاً للعب (اللهو) بدل العمل المنتج، وسيجموند فرويد في واحد من أهم كتبه، (قلق في الحضارة، أو الحضارة وهمومها حسب ترجمات أخرى)، يفترض أن السعادة الإنسانية تكمن في تلبية احتياجاتنا على صورتها الوحشية، ولكن سؤال الحضارة في التاريخ أوقف هذه التلبية على تلك الصورة، وكان ذلك لجماً من مبدأ الواقع لمبدأ اللذة.
كل من فرويد وماركوزه يتحدث هنا، من قريب أو من بعيد، عن الزمن، وعن إحساسنا فيه، متى نلهو؟ ومتى نعمل؟ أفكار تؤسس لمسألة تاريخية كبيرة، الصراع الطبقي على الزمن، باعتباره واحداً من الموارد، أو أهمها. لم تخلو شعارات الطبقة العاملة يوماً من الحديث عن عدد ساعات العمل، فلم يكن الخبز وحده شعاراً لها. إن الرأسمالية تضم في ثناياها، قمعاً إكراهياً لتملكنا للزمن، ولإحساسنا فيه، هي لم تسرقه فقط، وإنما أعادت صياغته، قسمته إلى وحدات صغيرة، وفرضت ترتيبها، وبذلك صاغت إحساسنا فيه على مزاجها هي. فبعد أن حولت العمل لساعات طويلة إلى بطولة، ولاحقت العاملين من خلال وسائل الاتصال الحديثة بمهمات إضافية غير محسوبة، بعد كل ذلك، وزعت أوقات الفراغ والاستراحة والفرح والإجازات والجنس، وبذلك شكلت، على طريقتها، حصص “الزمن المفقود”، و “الزمن الدوري“.
ستفتح مكاتب السياحة أبوابها أكثر عما قريب، وستتدافع الناس للتسجيل في الرحلات الجماعية، وستطير على متن الطائرات وتقيم بالأوتيلات الفاخرة بسعر الجملة، وستخرج لأيام معدودة في محاولة فاشلة لتجريب الحياة، فالزمن هنالك هو الآخر يصبح سلعة، ولا ينفك مسكوناً بقلق العودة وأمل “الزمن الدوري” في العام القادم، ستحيا الماضي، وتحيا المستقبل، ولكنها حتماً ستفشل في عيش الحاضر. إن تخفيض عدد ساعات العمل لا يكفي طالما لم تتحول الملكية من الفرد إلى المجموع، فلو انتزعنا حصتنا المسروقة من الزمن، لن نتمكن من الهروب من الشكل المفروض علينا للإحساس فيه. لم يطارد الزمن فرويد وماركوزه وحدهما، لقد لحق بتاريخ الفلسفة وتاريخ الإنسان، ولا صوت إلا بالتازار جراسيان: “إننا لا نملك شيئاً يخصنا سوى الزمن، الذي يتمتع به نفس أولئك الذين لا مأوى لهم”.