مقالات

“إسرائيل” من الداخل.. أوهن من بيت العنكبوت/ بقلم: مداليا العفوري

عدم الاستقرار السياسي والأمني الداخلي، هو السمة الملاصقة للكيان الصهيوني منذ قيامه عام 1948 وحتى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك، فقد واجه هذا الكيان في العشر سنوات الأخيرة، تأثيرات خارجية متمثلة بالأوضاع المضطربة بالإقليم، والأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، كل ذلك أدى إلى تقلّب أوضاع “إسرائيل” السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

اقتصاد مهلهل

تمارس الحكومات الصهيونية المتعاقبة لأكثر من عقدين سياسة الخصخصة وتقليص الميزانية، لتتراجع عن مسؤولياتها في القطاعات الحيوية كقطاع الإسكان والصحة والتربية والتعليم والتشغيل والرفاه، وتخفيض الخدمات الاجتماعية.

مركز “أدفا” الإسرائيلي يصدر تقريراً دورياً حول الأوضاع الاقتصادية، وحسب ما جاء في التقرير: أن إسرائيل تفقد نمواً اقتصادياً ما بين (1% إلى 1.5%) سنوياً.

ويرى البعض، أن غياب الحل السياسي للقضية الفلسطينية، يعرّض الاقتصاد “الإسرائيلي” لضربات وعدم استقرار، سيؤثر بالتأكيد على قطاعات التجارة والصناعة والسياحة، واستمرار عدم الاستقرار، يزيد من الفجوات الاقتصادية بين “إسرائيل” وبين الدول المتطورة، ويحدُّ من قدرتها على تحسين المستوى المعيشي مقارنة بالدول الغربية المتطورة.

وحسب مركز دراسات (RAND)، أن استمرار الانتفاضات وعدم الاستقرار، سيكلف “إسرائيل” حوالي (80) مليار دولار، خلال العشر سنوات القادمة. أما في حال المقاومة العنيفة، فإن الرقم سيرتفع إلى (250) مليار دولار.

وحسب تنبؤات البنك المركزي الإسرائيلي، فإن معدلات النمو الاقتصادي تراجعت من (3% إلى 2.6%)، فيما انخفضت قيمة الشيكل إلى ما دون 4 شيكل للدولار.

كما يؤدي عدم الاستقرار الأمني إلى تكبيد الكيان الصهيوني خسائر فادحة، وتغيير في سلّم الأولويات وطرق توزيع الموارد، فقد تراجع قطاع السياحة بنسبة 25% مقارنة بالعام الماضي، وانخفضت نسبة إشغال الفنادق في القدس إلى 27%، وفي “إيلات” 46%.

كما تأثر قطاع الاستثمار منذ اندلاع الانتفاضة، حيث انخفض بنسبة عالية، مما زاد من الركود التجاري، وضعف في العمليات التجارية.

بُنية المجتمع الصهيوني

شهدت السنوات الأخيرة، قيام الحكومة الصهيونية بتقليص المخصصات والضمانات الاجتماعية (لذوي الدخل المتوسط والمنخفض)، والاستمرار بتخفيض الضرائب لذوي الدخل العالي، مما أثر سلباً على بُنية المجتمع “الإسرائيلي”.

وشهدت دولة الكيان، تآكل الطبقة الوسطى، ففي عام 2011، تقلّصت هذه الطبقة من 33% إلى 27% حسب تقرير “أدفا الإسرائيلي”، إضافة إلى ازدياد الفجوات والفوارق الاجتماعية بين الشرائح المختلفة (اليهود الأشكناز واليهود الشرقيين)، حيث يشير تقرير “أدفا” لعام 2012، أن متوسط الدخل الشهري للأشكنازي تصل نسبته إلى 42% من متوسط الدخل العام، بينما متوسط دخل اليهود الشرقيين يصل إلى 9% من الدخل العام.

هذه الفوارق والظروف الاجتماعية، أدت إلى نتائج سلبية على الكيان الصهيوني من حيث ازدياد نسبة الجريمة، وازدياد ظواهر الفساد، ومعدلات البطالة، وانتشار الدعارة والمخدرات، إضافة إلى التراجع عن حقوق العمال وتدهور وضعهم.

الهجرات والهجرات المعاكسة

أما الأهم فهو ازدياد مضطرد في الهجرة المعاكسة، فوفق استطلاع للرأي العام “الإسرائيلي” نُشر في عام 2013، أظهر أن نسبة 51% من “الإسرائيليين” يفكرون في الهجرة من “إسرائيل” لأسباب ترجع إلى الأوضاع الاقتصادية المتمثلة بارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وانعدام الشعور بالأمن، والإحساس بالإكراه الديني.

ورغم سريّة المعلومات التي تصدر حول أعداد الهجرة المعاكسة، وحرص الحكومة ودوائر الإحصاءات على عدم الإفصاح عن حقيقة الأعداد، إلا أن الكيان الصهيوني يواجه تحدياً كبيراً بتنامي هذه الظاهرة.

وحاولت الحكومة الصهيونية تدارك الموقف من خلال إقرار خطط وإطلاق حملات لتحفيز الشباب اليهود للهجرة إلى “إسرائيل” وقيامها برصد إغراءات مالية، وتأمين صحي مجاني، وتأمين سكن، والحصول على وظيفة، إلا أن هجرة اليهود إلى “الكيان الصهيوني” في تراجع مستمر، لأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى انعدام الأمن.

وشهدت السنوات العشر الماضية تراجعاً كبيراً في الهجرة إلى الكيان الصهيوني، مقارنة بما كان في السنوات السابقة، حيث كان معدل الهجرة (100 ألف مهاجر سنوياً إلى الكيان الصهيوني)، فيما انخفضت حالياً إلى حوالي (13500 – 18000) مهاجر.

ويشكل تراجع الهجرة إلى الكيان الصهيوني مصدر قلق يهدد يهودية الدولة، ويؤثر على التركيبة الديمغرافية لصالح الفلسطينيين، حيث ارتفعت نسبة الفلسطينيين في الداخل إلى ما يقارب الــ 17.9% عام 2014.

سكاكين الانتفاضة

هذه الأرقام الصادمة والتي تعكس هشاشة دولة الكيان الصهيوني، تؤشر لصوابية خيار الشعب العربي في فلسطين المتمسك باستمرارية انتفاضة السكاكين التي اندلعت شرارتها قبل ما يقارب الشهرين.

فهذه الانتفاضة التي أدت إلى إعادة الموضوع الفلسطيني إلى جداول الأعمال للهيئات والمنظمات الدولية والأهلية، وكان لها آثاراً سلبية على “إسرائيل” التي طالما سعت جاهدة من أجل تحسين هذه الصورة، إضافة إلى تراجع نسبة التأييد “الإسرائيلي” لدى كثير من شعوب العالم، وازدياد المطالبات بمقاطعة البضائع “الإسرائيلية”، وارتفاع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، والمطالبة بضرورة إقامة دولة فلسطينية، واهتمام الإعلام العالمي والتوجه نحو تغيير المواقف بعدم الجدوى من المفاوضات ومشاريع التسوية المضللة.

أقول أن هذه الانتفاضة التي حققت كل هذه الإنجازات في فترة قصيرة، فاقمت أيضاً أزمات الكيان الصهيوني من الداخل، اقتصادياً واجتماعياً، بل وسياسياً، كما أوردنا أعلاه، ما يوجب على كافة القوى والفصائل الفلسطينية تقديم كافة أشكال الدعم، من أجل ديمومة هذه الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى