آراء ومقالات

إردوغان.. وهنتنجتون.. والطالبان

بين إفتتاح قصر رئاسي باذخ كلّف نصف مليار دولار .. وبين تحويل أيا صوفيا إلى مسجد، تتكشف تناقضات إردوغان، وأراجيف إحياء إمبراطوريته العثمانية الموعودة.
في البعد السياسي والسيادي، خطوة الرئيس التركي، ليس لها قيمة كبيرة، فالكنيسة “المتحف” تقع الآن على أراض تركية، وفرض أي تغيرات على وضعها ليس صعبا، ولا يحمل أهمية خاصة في الجانب التقني، ولكن هناك من يريد أن يستثمر في الصراع الديني الثقافي، ويعمل على تحقيق مكاسب على حساب أصحاب الديانات الأخرى، حتى لو تم رهن المؤمنين داخل دور العبادة، وأشاع شكلا من الوثنية الجديدة، يصبح فيها الإنشداد إلى مكان التعبد، أهم من العبادة ذاتها.
مناصرو إردوغان تحركوا بسرعة، وأظهروا – كالعادة- حالة عالية من الولاء غير المشروط لسيد الباب العالي، وأبدوا  تأييدا جاهزا تجاه أي خطوة يخطوها، دون التبصر بالأسباب والعواقب.. أما المبررات، فهي جاهزة دائما:-
“أليس هناك في أوروبا من حول المساجد إلى كنائس”؟ وكأن هناك دعوة علنية لإطلاق حروب السيطرة على أماكن العبادة!
أو “إسترجاع” أيا صوفيا، سيكون مقدمة لإسترجاع الأقصى!!

هنا الرمزية حاضرة، وهوس التابع الأعمى أقرب إلى الهذيان، وغاب عن هؤلاء بأنه لا توجد مقارنة بالمطلق، بين أجراء إردوغان الإستعراضي الشعبوي، وبين  مقاومة تهويد القدس والمسجد الأقصى، التي لا تفهم إلا في إطار الصراع التحرري الوطني الشامل للعدوان الصهيوني الإمبريالي، ومقاومة الإحتلال لكل فلسطين وليس في إطار التنازع بين الأديان، ويتناسون بأن خطوة أردوغان، تعتبر أقرب لتبريرات العصابة الصهيونية للسيطرة على الأقصى، عن طريق توظيف التأويل الديني لتهويد كل فلسطين..

خطوة إردوغان ليست معزولة عن السياسة الداخلية والخارجية لحزب العدالة والتنمية، وسطوة إردوغان على هذه السياسة.

الرئيس التركي، ضرب الدكتاتورية العسكرية، ولكنه ورث سلطويتها في الحكم ضد جميع المعارضين، واقام دولته على القمع والبطش بخصومه السياسيين – حتى في داخل حزبه-  وتبنى سياسة إظهار الرموز الدينية والروحية، وفرض شكل من التدين العلني على الفضاء العام، بينما حافظ على سوق الدعارة والقمار نشيطا في البترينة الخلفية للدولة. هو يذهب إلى دولة مذهبية أصولية، بالمعنى الطالباني.. حيث تسود، الدعوة الغليظة للصلاة، جنبا إلى جنب مع زراعة الأفيون والإتجار به، والبطش حتى التصفية والإجتثاث، في مواجهة الخصوم السياسيين في الوطن وخارجه.

سياسة التوتير والتدخل والعنف.. والعمل على تدمير مقومات وإقتصاد ومواطني البلدان الأخرى (سورية والعراق وليبيا)، يعد من السلوكيات النمطية للنخب الأمريكية الحاكمة، وبالتالي لا يلقى أي ردود فعل حقيقية منها.

إستراتيجية الكراهية والعصبيات والإقصاء الديني، وتعميق حالة الإستقطاب والتخندق في المجتمع والعالم، خارج أطر الصراع الإجتماعي.. ليس لها أي علاقة بالتدين أو بأي تأصيل ثقافي إجتماعي ذي مصداقية، وإنما تشكل ترجمة لنظرية صدام الحضارات ( The Clash of Civilizations) أو “صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد”، كما روج لها المنظر الإمبريالي صامويل هنتنجتون، والتي تقول بأن صراعات مابعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيسي للنزاعات العنفية بين البشر للسنين القادمة!

والأصولية الدينية عندما تصبح في الحكم، تشكل حالة تتوائم غالبا مع النيوليبرالية.. والمعيار الأهم والأكثر وضوحا في فهم حقيقتها وتحديد تموضعها يكون في فضح موقفها من “إسرائيل” والولايات المتحدة، وشراكاتها مع هذا المحور وفخططاته وتحالفاته العسكرية.

بدل التعددية، والإنفتاح على الداخل والمحيط، يقوم الرئيس التركي، بضرب أسس الدولة المدنية، فيما نكتشف كل يوم عقم الفكر الثقافي والسياسي لهذه الدولة- تحت قيادة حزب العدالة والتنمية- وتخبطها داخليا وخارجيا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى