إدلب والصراع الدولي في سورية: هل اقتربت ساعة الحسم؟!
على مدى السنوات العديدة الماضية ، دخلت قوى عظمى وإقليمية على حد سواء ميدان الصراع في سورية في إطار مساعيها لتحقيق طائفة متنوعة من المصالح والأهداف.بعض هذه الأهداف مثل إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي تعتنقها القوى المتدخلة بشكل مشترك، لكن هذه القوى لا تتقاسم العديد من الأهداف الأخرى. وربما تكون لتركيا، وإسرائيل، وإيران والولايات المتحدة وروسيا القليل من المصلحة في الانخراط في حرب مفتوحة مع بعضها البعض، لكن مساعيها لتحقيق أهداف مختلفة، وكذلك الافتقار البسيط إلى المتسع للمناورة في مسرح مكتظ، يعني أن الحملات العسكرية تبقى عرضة لخطر نشوب اشتباك سواء كان ذلك عن قصد أم غير ذلك بين دولة ودولة. ويمكن أن تكون لمثل هذا الصراع تداعيات عالمية وهذا بالتحديد ما يعقد بدء تلك المعركة .والتي سنأتي عليها بشيئ من التفصيل .
أولا: ينشأ الخطر الأساسي من الرغبة المستمرة لدى الدولة السورية وحلفائها وخاصة إيران في تحرير مزيد من المناطق. وبعيدا عن الجيوب القليلة المعزولة التي ما تزال تحت سيطرة داعش والتي يحاول الجيش وحلفائه استعادتها، يمكن أن تحول دمشق وطهران انتباههما إلى منطقتين رئيسيتين:
شمال وشمال غرب سورية، حيث يحتفظ المسلحون المدعومون من تركيا بالسيطرة، وشمال شرق وشرق سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي حين أن وجود القوات التركية يمكن أن يحد من قدرة محور المقاومة على التقدم إلى تلك المناطق، فإن من غير المرجح أن تبقى القوات السورية مكتوفة الأيدي .
كما هو واقع الحال، يبدو القيام بنوع من النشاط العسكري حول محافظة إدلب حتميا تقريبا، وهو ما يعرض خطر حدوث مواجهة مباشرة بين القوات الموالية والقوات التركية المتوغلة في المنطقة المجاورة لبعض من حلفائها المسلحين. وفي حال أمنت دمشق مساعدة موسكو ودعمها لعملياتها العسكرية في إدلب، فإن احتمالات حدوث صدام سوري تركي سوف تزداد . وتتمثل أولوية روسيا في تهدئة الصراع (والحفاظ على مكاسبها) بينما تحتفظ بعلاقات ودية مع تركيا أيضاً. لكن موسكو تصبح أكثر غيظا باضطراد من افتقار أنقرة إلى إحراز تقدم في تفكيك بعض من مجموعات المسلحين الأكثر تطرفاً في إدلب، مثل هيئة تحرير الشام الثوب الأخير لجبهة النصرة والتي واصلت شن الهجمات على القوات الروسية. ولأن دمشق تريد أي عذر لاستئناف العمليات العسكرية، فإن الكرملين التواق إلى إنهاء الصراع يمكن أن يدعم هجوما للجيش العربي السوري وحلفائه على إدلب، والذي يعرض خطر الاصطدام مع تركيا.
ثانيا : يشكل مصير الإرهابيين، وبينهم المسلحين الأجانب الأكثر تشدداً ، العقبة الرئيسة أمام أي اتفاق حول إدلب .بعد مطاردتهم في بلدانهم واستهدافهم في كل من أفغانستان وباكستان وغيرها تمهيدا لاستثمارهم في حرب الوكالة فيما بعد لاستنزاف سورية بغية تفكيكها وتحويلها لدولة فاشلة، وجد المسلحون الإرهابيون الأكثر تمرساً بالقتال في الساحة السورية موطئاً لانطلاقهم مجدداً منذ العام 2013، أي بعد عامين من اندلاع الحرب .
وفي حين انضم الكثيرون منهم إلى تنظيم داعش، أبقى آخرون على علاقتهم الوطيدة بتنظيم القاعدة والمجموعة المرتبطة به، وهي راهناً هيئة تحرير الشام التي تسيطر على الجزء الأكبر من إدلب .
ثالثا : لا يملك إردوغان رفاهية التخلي عن سبع سنوات من التدخل في سوريا وإسقاط ورقة الشمال السوري من يده، التي قد تكون أهم أوراق المساومة التي لايزال قادراً على استخدامها في مواجهة كل من الأميركيين والإيرانيين وحتى الروس من أجل المساومة على الملف الكردي الذي تعتبره تركيا هاجسها الأول. وهذا الهاجس يبدو أنه مرشح للاستمرار لوقت طويل ، ذريعة للابقاء على احتلال حوالي 10 آلاف كم2 من الشمال السوري والسعي لقضم المزيد وربما إدلب، كما أشارت دراسة لمعهد دراسات الحرب الأميركي التي قارنت ما تقوم به أنقرة في الشمال السوري مع احتلالها السابق لشمال قبرص.
ما يزال الكثير من الأمور المجهولة حول حجم المعركة القادمة على إدلب ونتائجها. ومع ذلك، إذا ما التزمت دمشق وحلفاؤها باستراتيجيتهم السابقة، فمن المرجح أن يكون الهجوم القادم محدوداً، لأسباب استراتيجية. ومع ذلك، قد لا تكون المعركة بحد ذاتها دامية بشكل كبير ـ على الأقل الجولة الأولى منها ضد المسلحين المدعومين من قبل تركيا.
وإذا بدأت جولة ثانية ضد النصرة في شمال إدلب ومتى تم ذلك، فقد يكون ترتيبها مختلفاً. ومن المرجح أن تحاول موسكو وطهران ودمشق استخدام القوة الغاشمة هناك ، قد تنجح من الناحية العسكرية، إلا أنها قد تلحق ضرراً شديداً بالعلاقات بين روسيا وتركيا. وبالتالي قد تمثل المعركة على إدلب فرصة لتقارب الولايات المتحدة مع أنقرة، لا سيّما إذا استهدفت القوات السورية أو الروسية مواقع المراقبة التركية التي تنتشر في جيب المسلحين .