إبراهيم نصرالله: في كل إنسان قمةٌ عليه أن يصعدها وإلا بقيَ في القاع
إشهار رواية “أرواح كليمنجارو” في منتدى عبدالحميد شومان
عمان- 3 تشرين الثاني 2015- تزينت قاعة منتدى مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافي بصور لأطفال فلسطينيين فقدوا أطراف لهم (أرجل أو أيدي) جراء ممارسات الإحتلال الإسرائيلي، وهم يصعدون جبل كليمنجارو، وهو أعلى جبل في أفريقيا. جاء ذلك في حفل الإشهار الذي أقامه المنتدى لرواية الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله الجديدة (أرواح كليمنجارو) وقد قدمت الراوية د. رزان إبراهيم قراءة نقدية عميقة، وشارك المؤلف بشهادة عن الرواية، فيما حلت البطلة الفلسطينية سوزان الهوبي ضيفة شرف على اللقاء.
وفي مستهل شهادته شكر نصرالله مؤسسة عبد الحميد شومان ممثلة برئيسها التنفيذي الأستاذة فالنتينا قسيسية على حماستها الشديدة لكي يكون انطلاق هذه الرواية من هذا المنبر العريق الراقي وأضاف:” أعبر عن سعادتي الخاصة بأن تشاركني هذا الاحتفال الصديقة العزيزة الدكتورة رزان إبراهيم ، وهي اليوم من ألمع الناقدات والنقاد العرب، والصديقة العزيزة سوزان الهوبي بطلة صعود الجبال، أول عربية تصل إلى قمة إيفريست، وإلى كل القمم العالية في هذا العالم، وهي إلى ذلك صاحبة فكرة صعود أطفال فلسطينيين فقدوا أطرافهم بسبب العدو الصهيوني إلى قمة كليمنجارو، وهي التي سمعتُ منها بالرحلة لأول مرة، ولم تدر يومها أنها وضعتني أمام اختبار صعب، لم يخطر ببالي، وهو تسلق الجبال بعد أن غزا الشيب مفرقي وانتشر، في ذلك اليوم الذي أخذت فيه قراري بالصعود، لأنني لم أتخيل أن يصعد هؤلاء الفتيان الجبل دون أن أكون معهم. مع أن المدة المتبقية للحظة الانطلاق لم تكن كافية للتدريب والاستعداد لرحلة صعبة من هذا النوع.”
وقال نصرالله:” لقد فعلها هؤلاء الفتيان وفعلناها معهم، ووصلنا القمة، وكان كلٌّ منا خلال الرحلة يمنح الآخرين الطاقة التي يحتاجونها لكي يستمروا، ففي وقت كنا ننظر فيه إلى الفتيان المصابين لنستطيع المواصلة، كانوا يفعلون الشيء نفسه، كما أخبروني، وهم يسترقون النظر إلينا في كل لحظة من لحظات هذه التجربة الإنسانية الفريدة.”
وحول أهمية مشاركة الأطفال في الرحلة قال :” لقد كانت المشاركة بمثابة دعم لهؤلاء الفتيان، ودعم لصندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين الذي يعود له الفضل في علاج آلاف الحالات لأطفال فلسطينيين، سواء أكانوا مصابين بأمراض أو من أولئك الأطفال الذين تسببت قوات الاحتلال الصهيونية ببتر أعضائهم أو فقء أعينهم، أو إحداثِ أضرارٍ بليغة في أعضائهم الداخلية.”
وأشار نصرالله أنه صعد إلى قمة كليمنجارو مرتين، مرة حين صعد الجبل، ومرة حين كتب هذه الرواية. مضيفاً أن رحلة الصعود الأولى كانت قبل عامين تقريبا.
ووصف رحلته الأولى إلى كليمنجارو قائلاً:” لا أستطيع القول إن رحلة الصعود الأولى كانت الأسهل، فهناك كان علينا أن نسير ونصعد ونهبط لمدة تسعة أيام قبل أن نبلغ القمة ونعود إلى حيث كنا، في مناخ متقلّب صعب، وفي درجة حرارة تصل إلى أقل من عشر درجات مئوية، وهواء شحيح، حيث تصل نسبة الأكسجين إلى نصف النسبة التي نتنفسها في هذه القاعة. كما أننا سرنا في اليوم الأخير لمدة سبعة عشر ساعة، اثنتي عشرة ساعة منها صعودا، وخمسَ ساعات نزولا.”
أما رحلة صعودي الثانية، وأعني كتابة هذه الرواية، فقد كان عليَّ أن أحمل الفريق وأصعد به وحيدا الجبل مرة ثانية، أن أحمل شخصيات حقيقية وأخرى متخيلة، فيها الواقع وفيها الخيال، وفيها خيال الخيال أيضا، ولذا لا يمكن اعتبار شخصيات هذا العمل واقعية بالمطلق حتى وأن كانت جزءا من تجربة الصعود بكل تفاصيلها. وكان علي ألا أكتفي بالوصول إلى القمة المادية للجبل، بل أن أتجاوزها إلى قمم أرواحنا، وكانت تلك مسؤوليةً صعبة استغرقت أكثر من عام وليس تسعة أيام وحسب، وفي هذه النقطة بالذات تتحد الرواية بتجربة الصعود، وهي تستلهمها، وتفترق عنها لتستقل باعتبارها عملا أدبيا له حياته الخاصة به. ولا بد لي من أن أشير إلى أنني التجأت لفن الرواية لكتابة رحلة الصعود، لأنني رأيت أن هذا الفن أوسع بكثير من أدب الرحلات، ولأنه يتيح لي حرية أكبر لتأمل تجربة إنسانية بالغة الغنى، ويتيح لي أن أبني وأن أتخيل وأن أطرح رؤيتي، ولن أبالغ كثيرا إذا قلت: إنها الرواية التي تمنيت دائما أن أكتبها، والتي أحس أنها منحت مشروع (الملهاة الفلسطينية) بعدا آخر.
وأشار نصر الله إن “أرواح كليمنجارو” رواية عن الأمل والإرادة وعن الماضي والمستقبل، وعن جرائم صهيونية، ارتكبت ولم تزل ترتكب حتى هذه اللحظة، عن أبطال رائعين عشت معهم حياة كاملة مكثفة غنية في زمن مكثف، ولذا أستطيع القول إنني لم أكتب هذه الرواية وحدي، بل كتبوها جميعا بقوة إرادتهم وتحديهم لأقسى الظروف، لكي يقولوا للعالم أننا هنا، وأن كل جرائم الفاشية الصهيونية الجديدة لن تستطيع الوقوف في طريق أرواحنا نحو الحرية.
واختتم شهادته بالقول أن في كل إنسان قمةٌ عليه أن يصعدها وإلا بقيَ في القاع.. مهما صعَدَ من قمم!
من جهتها ثمنت د. رزان إبراهيم الإبداع القصصي في الرواية وقالت:” تنقلنا الرواية إلى مسارات رحلة صعبة أخذ أبطالها قرارهم بصعود كليمنجارو، الجبل الذي كان قد ألهم القارة الإفريقية في رحلتها إلى التحرر من الاستعمار. وتضم الرحلة أطفالً أصيبوا بروح عميقة بعد أن تسبب الإحتلال الإسرائيلي في بتر أعضائهم، كما تضم متطوعين تجمعهم إرادة ورغبة في مساعدة بشر جاجتهم للأمل توازي إن لم تكن أعظم من حاجتهم لأطراف وعمليات جراحية وابتسامات.
وأكدت أنه ما أن تمضي في الرواية قليلاً حتى يأتيك اليقين بأنها رحلة وجهتها معالجة جروح عميقة في الروح لا تقل عما في الجسد. وهو ما يعلن عنه العنوان وما تلبث بعد ذلك أن تصدفك أكثر من عبارة تنفتح على دلالات كثيرة وتأويلات عميقة تعزز ما ذهبنا إليه.
وتابعت الكاتبة شهادتها مؤكدة أن للسرد في الرواية استراتيجيات بنائية منظمة. حيث يغدو بامكان القاريء ملاحظة قسمين بارزين مترابطين، أولهما : حكاية الصعود نفسها بكل ما يعتريها من صعوبات، ثانيهما: سلسلة من الحكايات أو القصص الفرعية التي ما كان لها أن تستقل بعيدا ًعما يوحدها ويدخلها ضمن الحكاية الرئيسية، مما يكسبنا متعة التحرك بين أجزاء متماوجة على لوحة واحدة تقرأ المجموعة في حركة ذهاب وإياب.
واختتمت بعبارة من الرواية، مع بعض التصرف، بأن “فيها من ظلال أرواحنا الكثير، وفيها من ظلال أرواح أخرى حلمت بهذا الجبل قبلنا، وستحلم به بعدنا .. فيها ما يشبهنا وما يشبه ما سعينا إليه. وفيها اختلافنا النبيل الذي لا ندركه ولا نحصل عليه إلا بمعايشة تجربة عميقة كهذه”.
ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة عبد الحميد شومان أسسها ويمولها البنك العربي منذ عام 1978 وأطلق عليها اسم مؤسس البنك، لتكون مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي، الأدب والفنون، والتشغيل والإبداع.
نقلاً عن المكتب الإعلامي لمؤسسة شومان