أوراق معقّدة على الطاولة.. جنوح أردني نحو طرح بدائل صعبة للرزاز تزامنا مع غيابه المفاجئ: بحث محموم في خيارات المرحلة المقبلة مع ميل مراكز القوى لاستبدال الرئيس التوافقي.. وسؤال الكلف وقدرة عمان على تحملها يتنامى
يتردد سيناريو خلافة الدكتور عمر الرزاز بصورة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة بعد تزايد التسريبات عن الخلافات بينه وبين فريقه الاقتصادي؛ الأمر الذي يترك صانع القرار الأردني في أزمة عنوانها “بديل” الرجل بعدما كان هو أصلا بديلا صعبا ومتوافقا عليه من معظم مراكز القوى والشارع.
فريق الرزاز بات منتجا كبيرا للإشكالات، ليس فقط للرزاز نفسه وإنما حتى لمؤسسات الدولة ككل.
غياب للرزاز لبضعة أيام فيما بدا رحلة طارئة إلى ايطاليا، زاد من جرعة التكهنات والرغبة في إيجاد بديل للرجل.
“بديل الرزاز” أزمة جديدة تواجهها مراكز صنع القرار حتى تلك المصرة على استبدال الرجل لاسباب تتنوع، من إضرار بمصالح بعض الجهات، لعدم امتصاص الشارع والتسبب بأزمة اقتصادية طاحنة؛ إذ تبدو محطة استبدال الرجل أكثر تعقيدا وتترك الجميع أمام خيارات معقدة تؤكد مستوى الأزمة.
الخيارات التي تنمو في أروقة صنع القرار وتُظهر عمق الأزمة ليس من الصعب رصدها سواء عند الحديث عن شخصية ذات خلفية دبلوماسية مخضرمة كالوزير الاسبق عبد الإله الخطيب او حتى الامينة العامة السابقة لمنظمة اسكوا الدكتورة ريما خلف.
خياران كالمذكوران يمكن اعتبارها “أوراق رابحة ولكنها اخيرة ومعقدة” في يد صانع القرار الذي يتحفظ على هذا النوع من الخيارات منذ سنوات.
احتمالات تولّي سيدة كالدكتورة خلف لمنصب الرئيس، مثلا يعدّ خيارا استثنائيا ليس فقط لكونها امرأة وهو أمر قد يشكل سابقة في تاريخ المملكة والمنطقة العربية، بل لكون الاسم المتداول-ان صح خيار التفكير بها-، قد يشكل نقلة نوعية في قراءة الأردن لمحيطه وقراءته للعالم، إذ تمثّل الدكتورة خلف سلسلة من الرسائل السياسية الدولية، تحتاج عمان أن تكون قادرة على تحمّل كلفتها.
ورغم ان خيار خلف بكل الأحوال يمثّل جرعة عالية من السيادة والوطنية، باعتبار السيدة شغلت في تعاملها مع منصبها الأخير في منظمة الاسكوا التابعة للأمم المتحدة العالم اجمع، الا ان الذهاب لخيار كهذا سيفرض قواعد جديدة للتعامل الدولي مع عمان، خصوصا وان ذلك يتزامن مع ضغوطات هائلة تُمارس على عمان تحت بند خطة السلام الأمريكية او ما بات يعرف بصفقة القرن.
واستقالت خلف من منصب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) بعد ضغوطات عليها من الأمين العام للأمم المتحدة لسحب تقرير أصدرته منظمتها يدين الانتهاكات الإسرائيلية ويتهم الإسرائيليين بممارسات ضد الفلسطينيين ترقى لممارسات نظام الفصل العنصري “ابارتايد”.
ولغّمت استقالة خلف المشهد الدولي، ما بدأ لاحقا سلسلة مواجهات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ومنظمات الأمم المتحدة من جهة أخرى، وهو الامر الذي احتفى به الأردنيون معتبرين ان خلف عبّرت عن وطنية بالغة ومحترمة تمثّلهم. إلا ان تداعيات قرار خلف الماضي يتوقع ان تكون حاضرة تماما اذا ما انضمت الخبيرة الاقتصادية لفريق الحكومة وليس اذا ما ترأسته.
بهذا المعنى فإن عمان يجب أن تكون مغامرة أكثر بكثير من المعروف والمألوف عنها لتتخذ قرارا مثل قرار الاستعانة بالدكتورة خلف، وخصوصا في علاقاتها هذه المرة مع واشنطن واسرائيل، وهو أمر لم تحصن له عمان نفسها بتغيير طريقة اختيار رئيس الوزراء للانتخاب. بهذه الصورة فاختيار خلف او اي شخصية ذات بعد سياسي سيتحمل رسالة اختيارها الملك نفسه وهو أمر ليس سهلا بكل الاحوال.
خيار انضمامها للحكومة لأقل من عام مطروح ايضاً ولكنه يبقى محتاجا للكثير من الجرأة في استقطابها أولا وثانيا في إزالة التشوهات بالفريق الاقتصادي الحالي والذي اثبت فشله وفشل سياساته بالدليل القاطع.
الدكتورة خلف خبيرة اقتصادية وقادت برنامج اصلاح اقتصادي في نهايات القرن الماضي، ما يجعلها قادرة على الأقل على تكرار التجربة مع الرزاز، بالإضافة لكونها مسيّسة ونشيطة وهو أمر تفتقده الحكومة الحالية، حيث العنصر النسائي فيها معظمه من النوع التقني (صحيح ان منه خبيرات في مجالاتهن ولكنهن بالتأكيد غير قادرات على قيادة لا فريق اقتصادي وبالتأكيد لن يقُدن حكومة كاملة) ولا يحتمل مواقف كتلك التي تأخذها خلف.
خيار السيّدة الأردنية المذكورة لا يترك مجالا فقط لعنصر نسائي من الوزن الثقيل الذي بات مفقودا مؤخرا في المشهد السياسي والاقتصادي، ولكنه يتيح المجال لخبرة دولية ان تتولى النقاش والجدال في ملف الاستحقاقات السياسية المتوقعة على الأردن مع اقتراب ما عرف بـ “صفقة القرن” التي يعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه.
بكل الأحوال، مجرّد طرح اسم الدكتورة خلف، وطرح أسماء أخرى كالخطيب، قد توحي بأن الأردن يلوّح بأوراقه الثقيلة التي لطالما تجنبها وفضّل عدم التلويح بها، وهذا يعني ان الأدوات التقليدية التي فرضتها عمان على نفسها طوال عقدين من الزمان تثبت وبالدليل القاطع فشلها أو إفشالها وبات لا بد من قرار جرئ لتغييرها.