‘أنا الرئيس’ كوميديا سياسية تعيد الاعتبار للمسرح المصري…سارة محمّد
بين الحلم بعودة الجماهير إلى المسرح المعروف أنه “أبو الفنون”، وبين الأمل في تحقيق مستقبل أفضل لمصر، جاءت مسرحية “أنا الرئيس” التي تعرض حاليا على خشبة المسرح العائم التابع للمسرح الكوميدي، وسط تحديات كثيرة تؤكد احتواءها على رسالة ثقافية هامة وواضحة، يبدو أن مسرح الدولة مصمم على إيصالها.
مسرحية “أنا الرئيس” تحقق معادلة صعبة طال انتظارها في المجتمع المصري، تكمن في الجمع بين تقديم مضمون ثقافي يتناسب مع رؤى وفكر الجماهير بعد اندلاع ثورتي 5 يناير 2011 و30 يونيو 2013، والمزج بين الكوميديا والاستعراضات، حيث سارا في خط متواز مع الأحداث، دون مبالغة أو إسراف لجذب الجمهور وتحقيق الربح التجاري فقط.
قضايا شديدة العمق طرحها الكاتب يوسف عوف في مسرحيته، حاول من خلالها المخرج الربط بين قضايا معاصرة لواقع حقيقي وملموس للمجتمع المصري قبل وبعد ثورة يناير، على رأسها البطالة التي كانت المحور الرئيسي لفكرة العرض، حيث جعل منها مادة ثرية للحديث عن مشكلات أكثر عمقا وأشدّ خطورة في المجتمع.
مازالت مرحلة إعادة بناء الثقة بين الشرطة والشعب أمامها المزيد من الوقت، وإن كان نموذج جندي الأمن المركزي، هو حلقة الوصل الأساسية بين الطرفين لاحتكاكه المباشر مع المواطن، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في تأهيله واستيعابه للمرحلة الجديدة، وهو ما أشارت إليه المسرحية بشكل غير مباشر من خلال شخصية الجندي شمندي الذي يقوم بتنفيذ الأوامر فقط دون وعي أو تفكير.
مؤشر آخر لفتت إليه مسرحية “أنا الرئيس”، يتعلق بشيوع فكرة “الشلة” التي تطغى على العديد من المؤسسات الحكومية، حيث تعمل مجموعة من الأشخاص معا بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وتطويع العمل حسب رغبات أفرادها الشخصية، وبدت المسألة انعكاسا للواقع، حيث يعد الفساد من أبرز معوقات إنجاز المهام الضرورية، ويقف حاجزا أما التطوير والتنمية، وليس من السهل القضاء عليه لانتشاره في كثير من المؤسسات الرسمية.
لم تغفل المسرحية نماذج ترمز للمرحلة الراهنة، مثل حالة “الغيبوبة” وقد جسدتها بطلة العرض “أم عصام”، التي تتغلب على أوجاع انتظارها لسقوط منزلها باللهو عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وهو نموذج يرمز لحال الكثير من المصريين، فحتى من يعانون ضيق الرزق وتواضع الحالة الاجتماعية، لا بد أن يكونوا من أصحاب الحسابات الشخصية كنوع من الاحتجاج ومحاولة الهروب من الواقع ومرارته الاقتصادية والاجتماعية.
أما النموذج الثاني فهو الحالة الثورية التي تعيشها الفتاة نور، التي تجسدها الفنانة حنان مطاوع، ويجدها المصريون في كثير من الهيئات والمؤسسات، فهناك دائما من يبحث عن الحقيقة ويكره السكوت عن الفساد، كما أنها تعكس حال الكثير من الشباب من أبناء النخب الفاسدة في المجتمع، الذين يتمردون على واقع آبائهم الأغنياء ويرفضون الاستسلام له.
بطل العرض عصام أو الفنان سامح حسين، نجح في خطف الأنظار بشكل يبشر بميلاد نجم مسرحي كبير، فقد انتقل في هذه المسرحية إلى محطة جديدة في مشواره، تشي بالوعي الفني، وقدرته على رسم خريطة جديدة للمستقبل باختياره لنص يعبر عن الشباب بجدية، بخلاف ما تناولته بعض أعماله السابقة من سطحية شديدة.
صحيح أن شخصية الجامعي العاطل لم تكن جديدة على المشاهد، لكن تجسيد سامح حسين لها، أقنع المشاهدين وجعلها رسالة واضحة يجب الالتفات لخطورتها، ونبه إلى ضرورة التواصل مع الشباب، وجمع شملهم والاستماع إلى مشاريعهم وطموحاتهم ومطالبهم، الأمر الذي تحاول الحكومة المصرية حاليا القيام به.
وتكلل نجاح العرض بمجموعة من الأشعار العميقة في الرؤى السياسية والاجتماعية، والتي كتبها الشاعر خالد الشيباني، وقد امتزجت بمجموعة من التابلوهات الاستعراضية، وإن كانت الأشعار أعطت مذاقا خاصا للعرض، لما تضمنته من كلمات مباشرة وبسيطة الفهم تجسد حالة البطل عصام في لحظات الألم والفرح والحب.
النجاح الحقيقي لعرض مسرحية “أنا الرئيس” كان في استعادة دور وريادة مسرح الدولة من جديد، واستقطابه فئات مختلفة من الأسر المصرية وبمراحل عمرية متباينة، في محاولة لتقديم منظومة فنية معتدلة تجمع بين مقومات الكوميديا والمضمون الجاد والاستعراض الهادف.
رسالة مضمونها الحقيقي يأتي عوضا عن سنوات اللاوعي بدور المسرح، والتي سادت خلال السنوات الماضية، في ظل سيطرة المسرح التجاري، وجاءت هذه المرة ممزوجة بقوة وعزيمة وإصرار على المزيد من الحرية، مدعومة بحشد جماهيري ضخم يريد أن يحارب الإرهاب على طريقته الخاصة ويملأ قاعة العرض كل ليلة، ليثبت أنه مع الحرية لأقصى مدى وضد التشدد والفساد لأبعد مدى أيضا.
“أنا الرئيس” من تأليف يوسف عوف، وبطولة سامح حسين، وحنان مطاوع، وفتحي سعد، ونادية شكري، وعزت بدران، ومجدي عبد الحليم، وأيمن إسماعيل، وأحمد عبد الهادي، وأحمد ظريف، وهيثم عبد الله، وديكور محمود سامي، وأزياء دنيا الهواري، وألحان وائل عقيد، وأشعار خالد الشيباني، واستعراضات أشرف فؤاد، وإخراج محسن رزق.