ألم يحن الوقت بعد للتخلص من فخ أوسلو وتبعاته !؟
لأول مرة بعد عقد كامل كان الفلسطينيون يتأهبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في بداية أكتوبر لانتخاب ممثليهم في المجالس المحلية في الضفة وغزة، قبل أن تقرر محكمة العدل العليا الفلسطينية تعليق الحملات الانتخابية وترجىء إجراءها حتى إشعار آخر.
علّلت المحكمة قرارها بتلقيها طعناً نظامياً بالانتخابات وكذلك وضع القدس “الشرقية” ورفض “إسرائيل” تخصيص صناديق للاقتراع هناك، في المقابل عبّر الجمهور الفلسطيني والعديد من القوى عن شعورهم بالغبن، وعمّق عندهم شعوراً بالإحباط والفوضى.
اعتبرت حركة حماس، التي قاطعت انتخابات (2012)، بأن قرار المحكمة مسيّساً ومحاولة من حركة فتح لإنقاذ قوائمها من السقوط المدوي، كما أعرب “التحالف الديمقراطي” الذي يضم الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحركة فدا والمبادرة الوطنية، عن عدم ارتياحه لقرار التأجيل وإضاعة فرصة ثمينة لتحريك الحالة السياسية وتجديد النخب وتحريك الوضع السياسي، عن طريق الربط بين إجراء الانتخابات البلدية وتصعيد مقاومة الاحتلال والاستيطان وطرح شعارات تحظى بالتفاف الجماهير وترتقي بالوضع السياسي والاجتماعي المتردي.
يلقي الجميع باللائمة في التأخير على التناحر بين فتح وحماس، والذي حفر أخاديدا عميقة بين غزة والضفة، حيث يمارس الطرفان إجراءات تعسفية وثأرية بحق الآخر وتجاه باقي القوى والفصائل.
كانت حماس تُعوِّل على الانتخابات لتوسيع نفوذها في الضفة الغربية، والإطاحة بفتح عن السلطة بشكل كامل، أو على أقل تقدير أن توظف الانتخابات كأداة ضغط على عباس لإجباره على تحديد مواعيد للإنتخابات الرئاسية والتشريعية، رغم تشكيك الناس بإمكانية إجراء انتخابات خالية من العنف، وما تزال ذكرى الحرب الأهلية الدموية التي تفجرت بين القوتين بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية السابقة ماثلة!
قرار تأجيل الانتخابات لم يقلل بشيء من التردي السياسي الذي تعيشه الساحة الفلسطينية.. السلطة مأزومة ومفلسة وتواجه عدداً من الملفات الملحة دون أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام، فملف الانقسام يراوح مكانه، وأصبح ملحقاً بشكل كامل باللاعبين الخارجيين وأجنداتهم ، ودلف إلى فتح مؤخراً مفهوم “المصالحة الداخلية” لإعادة دحلان إلى صفوف الحركة، وتقديمه على المصالحة الوطنية.
قبيل إلغاء الانتخابات، أعلنت اللجنة المركزية لحركة فتح بأن “أطرها ومؤسساتها مفتوحة أمام جميع أبنائها للتعامل مع المشاكل والعقبات بمن فيهم من اتخذ بحقه إجراءات عقابية! ” جاء هذا القرار وكأنه فُصّل على مقاس دحلان ومجموعته، ويتجاوب مع توجيهات إقليمية ودولية، فقد جاء على لسان المجتمعين في القمة المصرية الأردنية، بأنهم يقدرون للرئيس عباس استجابته لدعوة لمّ الشمل الفلسطيني وإعادة أبناء الحركة!!
وقد وصلت عدوى الاهتمام بدحلان إلى منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط عندما كتب: “بأن قرار فتح لمّ شمل الحركة، خطوة هامة على طريق المصالحة الوطنية!! ”
تعويل واهي على قدرة دحلان التأثير على بعض القرارات أو تحسين التوازن أمام حماس، بينما الواقع يعكس مدى توغل الأطراف الخارجية بالعبث في الساحة الفلسطينية، في وقت يبدو فيه المأزق الفلسطيني بجوهره سياسي وأن حل الدولتين الذي راهنت عليه السلطة قد تم دفنه بالكامل، حتى طوق النجاة الذي ألقاه بوتين بمبادرة لإعادة المفاوضات بين عباس ونتنياهو جاء باهتاً ومفصوماً عن الواقع، رغم أن الطرفين قد وافقا عليه مبدئياً، وقبله نفض جون كيري يديه بالكامل عن هذا الملف أمام التعنّت الإسرائيلي، والتحول في أولويات الإدارة الأمريكية.
على الأرض، فإن سياسة الاستيطان التي تقارفها الحكومة الصهيونية، قد تصاعدت بعد اتفاق أوسلو، وقضت بالكامل على أي إمكانية لحل الدولتين، وبعد مرور (18) عاماً على استحقاقات ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي لم يتم شيء، وبدلاً من الانسحاب عن الأراضي المحتلة عام (67) والتي تشكل (22%) فقط من مساحة فلسطين، فقد تم تقطيع أوصالها وزرعها بالمستوطنات، أمام عجز السلطة وتعاونها الأمني مع الاحتلال، والتفرغ للتكالب على مكاسب مادية لأعوانها وتأمين مصالحهم الخاصة على حساب القضية والشعب، ورغم انتهاء ولاية عباس وباقي مؤسسات السلطة،وما زالت السلطة تراوح من فشل لآخر وتلحق بالقضية أكبر الأضرار وتسبب للشعب الفلسطيني كلف هائلة من حقوقه ووحدته.
لقد أدت سجالاات موضوع الانتخابات إلى كشف ضعف الحالة السياسية والجماهيرية للفصيلين وترهل أوضاعهم الداخلية وإتضاح بأنه لا فتح ولا حماس ولا حتى تحالف “اليسار”، يمتلكون برنامجاً متماسكاً لمواجهة الاحتلال وفق رؤى شاملة ومشروعية وطنية تحررية، وسط بروز دور متصاعد للقوى العشائرية ورجال الأعمال الكمبرادور وتشابكهم مع الاحتلال.
في الجانب “الإسرائيلي” تبدو حالة الاسترخاء مخادعة، وتُعبِّر الأطراف الصهيونية عن رضاها عن الأوضاع تماماً، فقد أوقفوا الخطر الآتي من غزة ولا يوجد تقريباً أي ضغوط دولية لإرغامهم على شيء والوضع الفلسطيني منقسم، والإقليم منشغل بصراعاته الداخلية، وانتهى عصر المناكفات مع أوباما بانتزاع صفقة العمر الاستراتيجية، ولكن خلف هذه الصورة المخملية، فإن المجتمع والطبقة السياسية “الإسرائيلية” تمور بحد كبير من الشكوك وعدم اليقين، ويدركون بأن هناك شعبان بنفس الحجم يعيشان تحت سيطرة “إسرائيل”، وأن العرب الذين لم يعودوا “أقلية” إلى أي مدى سيبقون بدون حقوق؟
اليمين الصهيوني يعيش في حالة وهم سياسي وميل إرهابي متصاعد، يضع على جدول أعمال الكنيست (82) قانوناً عنصرياً مكرساً للاحتلال، من بينها (23) قانوناً لدعم الاستيطان، واليسار بدوره يتخبط ويتراجع حضوره.. يقر بأخطاء الماضي ويقترح طريق ثالثة كعملية تدرجية وطويلة لتقسيم البلاد، طريقاً وسطاً “بين يهودية وديمقراطية”! ويحذر! “الدولة تنتحر إذا استمرت على هذه الحالة، ستكون النتيجة انتحارها بالكامل خلال عقد، حيث ستتحول إلى دولة فصل عنصري أو دولة ثنائية القومية مع أغلبية “عربية”!
ويكتب أدي شبيط في هارتس، “يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، يجب أن نخطوا قليلاً إلى الوراء ومشاهدة الدولة اليهودية الديمقراطية وهي تغرق”!
الوضع الفلسطيني في مأزق، واتفاق أوسلو، فشل، ويحكم الحصار على قطاع غزة لدرجة التهديد بعملية إبادة جماعية بطيئة، وحماس لا ترى من الصورة إلا سلطتها الغزاوية، ومن الواضح بأنه لن يحدث إتفاق سلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين في بقية ولاية أوباما ولا حتى الإدارة الأمريكية المقبلة.
إرهاصات الانتفاضة الشبابية تُترك دون تأطير أو تبني وطني فاعل، وكذلك فعاليات ونضالات الأسرى، ونراقب عن بُعد حملات مقاطعة “إسرائيل” الفلسطينية والدولية الواعية والمؤثرة دون أن نقدم لها الدعم والمشاركة المستحقة، حتى المحاولات المدنية المتضامنة لكسر الحصار يتم التعامل معها بتراخي وتقصير.
الخروج من المأزق ينطلق من الجرأة بإعلان فشل مشروع أوسلو واستحقاقاته لبلورة مشروع وطني جامع يتجاوز حالة التردي ويتبنى نهجاً جديداً يضمن إعادة الوحدة للأرض والشعب.