أزمة الحكومة “الإسرائيلية” أزمة واقعية أم مفتعلة؟ / حاتم استانبولي
“إسرائيل” ما زالت تقودها نواة الحركة الصهيونية التي تمثل رأس المال الصهيوني الذي لا يرى مصلحة في صفقة القرن بالمعنى الإستراتيجي، يريدون دولة يهودية صافية، هم أخذوا من ترامب ما يريدون وانتهى مفعوله بالنسبة لهم، وتأزيم الوضع السياسي وإعلان حل الكنيست هو تأجيلٌ لإعلان صفقة القرن وإعطاء فترة زمنية لإعادة صياغتها بما يتوافق مع يهودية الدولة، والإتيان بفريق صقورى قادر على أخذ قرارات بعمليات جراحية تطال الطوق الإقليميي، منها تجميلية وأخرى استئصالية، ستطال الحلفاء والخصوم والأعداء.
البعض يراهن على رؤية الديمقراطيين في الولايات المتحدة، وأنهم يشكلون سندًا لهم، ولكن التجربة أكدت أن المصلحة “الإسرائيلية” هي العامل المشترك بين الجمهوريين والديمقراطيين، والخلاف هو في طريقة الوسائل والأدوات التي تستخدم في تحقيق هذه المصلحة.
من الواضح أنّ الهيمنة الصهيونية أصبحت في أعلى مراحلها في الولايات المتحدة أو أوروبا، وهي تريد أن تستثمر هذه السيطرة بأقصى صورها، سياسيًا وقانونيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
الحركة الصهيونية تريد أن تعيد إنتاج الوعي الانساني في منطقتنا من خلال اطلاق حملة ثقافية تستند على المقولات الدينية، لإرساء وعي عام يلغي الصراع بطابعه الوطني وتحويله لصراع ديني على النص، هذا من جانب أمّا من جانبٍ آخر فإنها تسعى إلى تغيير ثقافي يهدف إلى إلغاء كل ما يتعلق ب فلسطين كقضية وطنية واستبدالها بثقافة تعظم النظم القائمة. وتربط تاريخ كل بلد بتاريح نظامه القائم.
إن أية مواجهة قادمة للسياسات الصهيونية يجب أن تنبع من إعادة قراءة تاريخ المنطقة، وتشكيل نظمها القائمة وطرح سؤال جوهري عن تاريخ تشكل هذه النظم واستقلالها؟ وهل جاء تكوينها بناء على تطور تاريخي اقتصادي واجتماعي بكل ما يعني هذا التطور في البنية الفوقية والتحتية للمجتمعات القائمة؟
وهنا يطرح سؤالًا مهمًا عن تشكل الحركة الوطنية في كل بلد، وهل هي كانت نتيجة لانعكاس هذا التطور الاقتصادي والاجتماعي؟ هذا يتطلب من رواد اليسار الذين يملكون الوعي لدراسة معمقة للتطور التاريخي للمنطقة، بكل ثقافاتها المتنوعة، وغخراجها من وحدانية الرؤية الدينية التي أدخلت أغلب شعوب المنطقة في دوامة الخلاف على صلاحية وأحقية النص الديني وتمثيله، وأنتجت صراعًا دمويًا أفضى إلى عملية تدمير ذاتي، ووضع القيم الأخلاقية النمطية السائدة امام تحديات جدية تطال مصداقيتها.
إن ارتدادات هذا الصراع على البنية الثقافية والاجتماعية تفتح بابًا واسعًا من اجل العمل على اعادة قراءة نقدية تطال مجمل نواحي الثقافة الفكرية، القائمة على قاعدة ان اية ثقافة هي انعكاس علاقات الانتاج السائدة.
لا يمكن قراءة الافكار خارج منظومة التطور الاقتصادي والاجتماعي، بل هي انعكاس مادي لها.
وبهذا الصدد فإن النظم الكمبرادورية القائمة في اغلب دول المنطقة هي نظم فصلت على أن تكون جزءًا من المنظومة الرأسمالية ومراكزها، ويتم تمويلها وإخضاعها لشروط مصلحة أسواقهم ونتاجهم القومي، التي تعتبر ثروات المنطقة حق لهم وشعوبها أسواق استهلاكية لمنتجاتهم وميادين لاختبار أسلحتهم وانتاج حروب تنهك وتدمر شعوبها وثرواتها.
يتوجب على طلائع الحركة الوطنية الديمقراطية التحررية إعادة إنتاج فكرها السياسي والاقتصادي، القائم على أن هذه النظم هي جزء من منظومة الاستغلال الرأسمالي، هذه المنظومة التي يلعب فيها رأس المال الصهيوني دورًا محوريًا في تحديد سياسات مراكز رأس المال العالمي.
إن “إسرئيل” كدولة هي نتاجٌ واعٍ ومدروس لتداخل المصالح الرأسمالية الصهيونية والعالمية، تستخدمها الحركة الصهيونية كملاذ آمن لرأسمالها خارج المنظومة القانونية العالمية، ولكي لا تخضع لرقابتها القانونية، وهي دولة خارج المساءلة السياسية والقانونية.