مغادرة النهج السياسي الاقتصادي …الحل الوحيد لمشكلة البطالة
لا شك أن الأردن يعوم على بحر من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من أزمة المديونية إلى أزمة البطالة إلى أزمة الطاقة وأزمة عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري والميزان التجاري وغير ذلك من الازمات التي ينوء الأردن تحتها.
من هنا لا يمكن أن نتحدث عن جميع هذه الأزمات في وقت واحد في معالجة واحدة، لذلك نستخرج من هذه الأزمات واحدة هي الأخطر على الاقتصاد والمجتمع في آن واحد، الا وهي مشكلة البطالة، وأكبر دليل على خطورتها، ما شهده الأردن في معظم محافظاته من مظاهرات واحتجاجات واضرابات تهدد السلم والاستقرار في الأردن وتنذر بأمور أكثر خطورة على الأردن كدولة وكبلد في اقليم تتصاعد فيه الصراعات والحروب المحلية والاقليمية الطبقية والسياسية.
قد يقول المسؤولون والحكومة كسلطة تنفيذية مسؤولة عن معالجة هذاالتحدي، إن العالم كله يعاني من مشكلة البطالة ولسنا استثناء، خصوصاً وأن الأردن يفتقر إلى الموارد الطبيعية أكثر من غيره، وهذا كلام صحيح، إذ حتى الدول الصناعية الكبرى تعاني منذ منتصف القرن الماضي من هذه المشكلة، وبعضها نجح في الحد منها والبعض الآخر لا زال يبحث عن حلول ولا يجدها، ومعروف أن اكثر من تصدى لهذه المشكلة ميلتون فريدمان الذي تحدث عن المعدل الطبيعي للبطالة واسماها (معدل البطالة الهيكلية) ثم جاء ادموند فيليبس ووضع المنحنى المشهور (Phillips Curve) الذي ربط فيه بين البطالة ومعدل التضخم، وبين أن العلاقة عكسية، أي أن معدلات البطالة المنخفضة تعني تضخم مالي.
إذن جوهر نظرية أو منحنى فيليبس يتعلق بالاقتصاد وسياسة الطلب الموسعة، فإذا سعيت نحو تقليل معدلات البطالة، عليك أن تنتظر معدلات نمو أقل، ولكن سينتج عن ذلك ارتفاع معدلات التضخم لكن من الحماقة مقارنة ازمتنا في الأردن بأزمات الدول الصناعية والدول الرأسمالية الكبرى ذات الاقتصادات المنتجة فيما نحن نعتمد على الاقتصاد الريعي، كما أن شكل ومحتوى البطالة عندنا تختلف باعتبار البطالة عندنا هيكلية (Structural) ولها وطأة ثقيلة بعكس البطالة في الدول الرأسمالية الصناعية وهي بطالة دورية أي لها علاقة بحركات التغيير الدوري في النشاط الاقتصادي، أي لها علاقة بالانتقال من عمل لآخر كذلك هناك لدى هذه الدول نظم اعانات البطالة والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.
دعونا ندخل في الأهم، ونستبعد المقارنة مطلقاً بين ما نعاني من ازمات اقتصادية وما تعانيه دول ذات اقتصادات هائلة فنحن في الأردن ننفذ ومنذ التسعينات ما يسمى (برنامج للاصلاح الاقتصادي) الذي فرضه علينا صندوق النقد الدولي.
أي أننا لا نتمتع بسياسة اقتصادية مستقلة، ونترك للصندوق حرية ادارة اقتصاد الأردن، حسناً، ماذا نريد من هذا البرنامج؟ اليس معالجة مشكلة البطالة، وتنشيط الاقتصاد، وتقليل اعباء الدين الخارجي؟
بصراحة، البطالة، وهي بالمناسبة مشكلة اقتصادية اجتماعية تعتبر المقياس الأهم لأي برنامج اصلاح اقتصادي، والنتائج مع الأسف سيئة للغاية، لأن نسبة المتعطلين عن العمل بإزدياد وتراكم شديدين.
في عام (2010) كانت معدلات البطالة (13%) ارتفعت عام (2018) إلى (18.3%) وفي الربع الأول من هذا العام (2019) ارتفعت إلى (19%) أي أن المعدل أرتفع (0,6) ونقطة مئوية مقارنة مع الربع الأول من العام الماضي (2018) فقد ارتفع (0,4%) بالنسبة للذكور و (1,1%) بالنسبة للاناث، هذا عن دائرة الاحصاءات العامة.
وأكثر من يعاني من البطالة وعدم وجود فرص عمل، هم من فئة الجامعيين من حملة مؤهل بكالوريوس وما فوق حيث بلغت النسبة للجنسين (23,4%) سجلت الاناث (33%) والذكور (16%) اضافة إلى ذلك هناك ارقام لها دلالة على فشل سياسة الحكومة الاقتصادية وفشل برنامج الاصلاح، ففي محافظة الطفيلة ومأدبا سجلت البطالة أعلى مستوى (20,6%) و (24,6%) وأدنى مستوى في العقبة (14,5%) وعمان (17,4%).
هذا يدل دلالة واضحة على أن أي مردود للنشاط الاقتصادي وأي نمو في الناتج المحلي الاجمالي لا يتم توزيعه بشكل عادل بين المحافظات وبالتالي لا أحد يلوم اهالي المحافظات المظلومة، عندما يخرجون للتعبير عن سخطهم وغضبهم.
لأننا لا يمكن أن نقول كلمة (بطالة) ونسكت لأن لها رديف آخر هو الفقر، فهما وجهان لعملة واحدة، وهما يؤثران في بعضها، فالبطالة تؤدي إلى انعدام الدخل أو تآكله وبالتالي ارتفاع تكاليف المعيشة، وهذا يزيد من نسبة الفقر.
تأثيرات كل من البطالة والفقر على الاقتصادي الكلي انها تؤدي إلى تراجع الطلب الكلي وبالتالي إلى تراجع معدلات النمو المقدر للعام القادم (2%) ولقد سجل الأردن نسبة غلاء معيشة هي الاعلى عربياً، واحتل المرتبة (28) من (200) عالمياً، كذلك تراجع حجم الصادرات وانخفض حجم الاستثمارات المولد الرئيس للوظائف.
ومع كل هذه الانعكاسات السلبية تراجعت مستويات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، وتشير التقارير إلى أن (33%) من سكان الأردن معرضون للوقوع تحت خط الفقر العام الجاري، وذلك في حال اضفنا تأثيرات سياسة فرض الضرائب التي تحولت إلى اسلوب جباية وساهمت كما هو معروف في تباطؤ النمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية.
يقال أن هناك اسباب وعوامل خارجية وداخلية لتفاقم مشكلتي البطالة والفقر، ومن العوامل الخارجية استمرار حالة التوتر والاضطرابات والحروب الداخلية، وبالتالي انغلاق السبل شرقاً وشمالاً أمام الصادرات، وهذا صحيح ولكن العامل الداخلي دائماً هو العامل الحاكم، وهو الطبيعة الانكماشية لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي عقده الأردن مع صندوق النقد في بداية التسعينات من القرن الماضي، وأسوأ ما فيه سياسة فرض مزيد من الضرائب ورفع اسعار الطاقة واسعار السلع الأخرى مما يؤدي حتماً إلى كبح النمو الاقتصادي، وبالتالي استمرار تفاقم مشكلة البطالة، ومالم يغادر الأردن كنظام سياسي طبقي يمثل شريحة ضيقة من ارباب العمل واصحاب رؤوس الاموال والكومبرادور، هذا النهج الاقتصادي وهذا لا يمكن أن يحدث مع بقاء التحالف مهيمناً على السلطة، فلن يحدث أي تغيير.