مقالات

في نضال المرأة…رانيا لصوي

آذار المرأة والأم ليس مناسبات ندرجها على قائمة احتفالاتنا السنوية، ونكتفي فقط بإحيائها على استحياء هنا أو هناك.. وانما رؤيا وفكر نطمح أن نصل له يوما ما بتحقيق أهداف نسعى إليها يغلفها واقع اجتماعي يحقق ما يكفي لحياة كريمة لامرأة هي شريكة الرجل في بناء الأسرة والمجتمع.

ونحن إذ نحتفي بيوم المرأة العالمي فإننا نكرس مفاهيم نضالية حققتها المرأة ومازالت تسعى لتحقيقها من أجل عدالة اجتماعية تدعم المجتمع وتبنيه، سيما وأن معيار تقدم وتطور المجتمع يقاس بتقدم المرأة فيه، سواء بدورها في عجلة إنتاج المجتمع أو بمكانتها الثقافية التي تحققها.

يعتبر التناقض الأساسي للمرأة في نضالها مع التركيبة الرأسمالية التي حرصت على أن تضع المرأة في مكان يحقق الربح الوفير والسهل حال احتياجه باستغلال النساء والأطفال، كتب ماركس في كتابه رأس المال: شكل عمل النساء والأطفال أول شيء بحث عنه الرأسماليون الذين استخدموا الآلات. هذه البدائل الجبارة للعمل والعمال تحولت فورا إلى وسائل من أجل زيادة عدد العمال من خلال إدماج جميع أعضاء أسرة العامل، تحت السيطرة المباشرة للرأسمال، دون أي تمييز من حيث السن أو الجنس. لقد اغتصب العمل الإجباري لصالح الرأسمال المكان، ليس فقط من لعب الأطفال، بل أيضا من العمل الحر في المنزل ضمن حدود معتدلة لدعم الأسرة“.

وبالتالي نظره النظام الرأسمالي للنساء على أنهن مصدر رخيص للعمالة يتم الاستعانة بها طالما هناك نقص في اليد العاملة في أي من قطاعات الإنتاج ونبذه مرة أخرى في حال انتهت الحاجة إليه.

من واقع فهمنا المادي التاريخي فإننا نقرأ اضطهاد المرأة من واقعها الطبقي ومكانتها في عجلة إنتاج وبناء المجتمع، ومن هنا أشار انجلز الى مجموعة استنتاجات تلخص تراجع مكانة المرأة في المجتمعات البدائية التي خلت من رأس المال والأرباح والميراث وبالتالي لم يكن فيها فروقا طبقية وبنيان دولة، الى أن بدأ استغلال المرأة وتراجع دورها حال تطور المجتمعات الزراعية والرعوية وبداية تركز الثروة بيد الرجل.

رؤيتنا لواقع المرأة من منطلق تحليل واقعها الطبقي في ظل النظام الرأسمالي الاستغلالي إنما هي مدخلنا لتوضيح سبل النهوض بالمرأة وتعميق دورها، فلا نرى أن نضال المرأة منفصل عن نضال الرجل والمجتمع، بل نعتبر عملها وانخراطها في عجلة الإنتاج ضرورة لتحقيق التقدم الإنساني، وخلق واقع اقتصادي جديد، ليس هذا فحسب، بل هو فرصة لفتح آفاق النضال وتنظيم جهودها وتكثيفها.

ولتسهيل دورها الإنتاجي مطلوب من الرجل أن يكن سندا حقيقيا يدعم عمل المرأة في تخفيف وتوزيع عمل الأسرة من تربية الأبناء ورعايتهم، فكانت الحاجة الى توفير بيئة مناسبة لعمل المرأة مثل الحضانات، وتحسين الأجور ، الإجازات المدفوعة…الخ من القضايا التي نطالب بها اليوم في خضم معركتنا النضالية لنيل حقوقنا.

تكريس تقسيم العمل في العائلة كرس الملكية الخاصة والتوريث للرجل، فاعتبرت أن للمرأة دورها في الإنجاب ورعاية الأسرة، وللرجل دورة في العمل والإنتاج الاقتصادي. وهذا التقسيم جعل بالضرورة المرأة تابعاً اقتصاديا غير قادر على المشاركة في القرار و البناء المجتمعي. ومن واقع هذا الفهم للعمل نرى أن حتى العائلات التي حققت لقب البرجوازية و حصلت فيها المرأة على تخفيف من أعبائها الأسرية في رعاية الأسرة والعمل المنزلي من خلال الخدم، إلا أنها لم تستطع النهوض بدورها في المجتمع وإنما أخذت سمة الرفاهية وتبديد المفاهيم النضالية لدور المرأة الحقيقي في المجتمع. وهنا يبرز الاضطهاد المركب على المرأة فهي تشارك الرجل في اضطهاد رأس المال للعمال، وتختلف عنه في اضطهاد الرجل لها من واقع المجتمعات الذكورية.

 لذا نرى أن تعزيز دورنا الإنتاجي يجب أن يترافق مع تعديل شامل في القوانين والمنظومات التشريعية التي تكفل حق المرأة كما حق الرجل في العمل والأسرة وفي جوهر هذا الصراع نؤكد أن الطبقة العاملة لا يمكن أن تحقق حريتها الكاملة إذا لم تحقق الحرية الكاملة للنساء أيضاً.

المحور الثاني في نضال المرأة الذي يقتضي تعميق التشريعات والقوانين في ثقافة المجتمع، حيث أن المساواة في القانون لا تعني المساواة في الحياة، والامتيازات الأسرية في مكان ما للمرأة لا تعني نجاحها في تحقيق دورها الحقيقي في المجتمع. تناقضنا الآخر الأساسي في ثقافة المجتمع، ولابد من خوض صراعنا الفكري والثقافي من أجل تغير المجتمعات والتخلص من دونية المرأة فيها التي حرصت على تكريسها الرأسمالية خدمة لمصالحها، فوصمت المرأة بالسلعة وأداة للمتعة والدعارة أو للدعاية والإعلان.

يعتبر هذا المحور خطير جدا في بناء المجتمعات ويحتاج الى نضال طويل وعميق لخلق صورة جديدة متطورة تحفظ انسانية المرأة ودورها في البناء، ويحتاج هذا النضال الى عمل المرأة على تثقيف نفسها وإبراز دورها بشكل لائق، وتحديد خطوات عملها في بناء الأسرة بداية، في أبنائها، وهذا لا ينفصل عن الرجل وضرورة مساندته لها وتدعيم أرائها ورؤيتها.

إذن قضية المرأة هي قضية متكاملة متصلة بالمجتمع ونضاله في جوهر صراعه لتحقيق الاشتراكية التي نرى فيها أساسا للتخلص من كل استغلال علق في المجتمع نتاج النظام الرأسمالي. ولا ننظر لها بشكل منفصل وإنما متكامل مع دور الرجل في هذا التغيير.

الى نساء العالم المضطهدين، يدا بيد نصل للعدالة الاجتماعية، وكل عام وأنتن بخير…

والى رفاقي ورجال العالم المشتركين في الاضطهاد أذكر بما قال ماركس “موقف الرجل من المرأة يحدد درجة تحوّل سلوك الإنسان الطبيعي الى سلوك إنساني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى