مقالات

الموازنة العامة بعد إقرارها …عبد المجيد الخندقجي

 

بعد أربعة أيام متتالية من المناقشات الحادة والساخنة آواخر الشهر الماضي، أقر مجلس النواب موازنة عام (2015)، كما أقر المجلس موازنات الوحدات الحكومية المستقلة دون ان يتمكن المجلس من ادخال أية تعديلات تذكر او تغيير من شكل ومضمون الموازنة، التي يمكن القول انها موازنة نمطية، لا تستجيب للتطورات الاقتصادية والسياسية التي تحيط بالاردن، ولا تأخذ بالاعتبار التحديات الراهنة والمتوقعة التي يواجهها الاقتصاد الوطني. 

من الطبيعي ونحن نتحدث عن مشروع موازنة (2015)، والذي يفترض فيه ان يكون تعبيراً رقمياً عن خطة استراتيجية تنعكس ارقامها على المتغيرات معالجة وتصدياً لمشكلات اقتصادية مزمنة ومتفاقمة، وتنعكس ايضاً على تحسين اوضاع الشعب الاردني الحياتية ويرفع جزءاً من الاعباء المعيشية التي باتت تثقل كاهله، من الطبيعي ان تتم مناقشتها تحت قبة برلمانية تحوي برلمانيين انتخبوا  لكي يمثلوا الشعب وآلامه ومعاناته، لكن وحسب ما ذكر مراقبون واعلاميون لم يكن اعضاء المجلس بالمستوى الذي حملهم اياه الناخبون والثقة التي وضعوها في اعناقهم.

فقد خلت كلماتهم ومناقشاتهم لا خطر واهم خطة اقتصادية اجتماعية، لا تحدث سوى مرة كل عام، خلت من الارقام، واتسمت بالعمومية والانشائية. لقد جاءت الكلمات استعراضية خطابية مثل العبارة المكروره المشوهه (ثالوث الفقر، والبطالة، والفساد)، ومطالبة الحكومة بالرحيل، وانتقاد سياساتها الاقتصادية، بل أن الغالبية طالبت بنقل اموال مخصصة من موازنات الوزارات والدوائر الحكومية، لدعم القوات المسلحة والاجهزة الامنية، وبالتحديد نقلها إلى وزارة الدفاع، مع ان الجهاز العسكري حظي بــــــ (1.9) مليار دينار فيما حظي الجهاز العسكري بـــــ (1.8) مليار دينار أي ما مجموعه (3.7) مليار من النفقات الجارية البالغة (7.1) مليار دينار.

اذن المسؤولية الاولى في عدم انجاز اي تغيير في الموازنة يتحمله اعضاء المجلس، لان الحكومة لم تحضر المناقشات لكي تستمتع بحلاوة وطلاوة السنة المتحدثين، بل لتثبيت بنود الموازنة كما وضعتها ووافقت عليها وردع كل من يحاول جاداً ان يدافع عن الوضع المزري للشعب وطبقاته المسحوقة.

في اليوميين الاخيرين، وبعد الانتقادات التي وجهتها بعض وسائل الاعلام اخذوا يتطرقون إلى الارقام، وإلى مرتكزات واهداف الموازنة، فمثلاً اشار البعض إلى أن الموازنة لا تواكب النمو الاقتصادي الذي يحسب دائماً على اساس نسبته إلى الناتج المحلي الاجمالي، وليس على اساس اشباع حاجات الناس، والنمو الذي تتبجح به الحكومة لا يوجه لمحاربة الفقر. ولقد اتفقت معظم النظريات الاقتصادية، بانه ليس شرطاً ان يساهم النمو الاقتصادي في خلق او انجاز اهداف التنمية الانسانية مثلما ثبت ان زيادة الانفاق العسكري تؤدي إلى قلة المبالغ المتوفرة لاغراض الصحة والتعليم.

الملاحظة الثانية: ان الايرادات حسب مشروع الموازنة سترتفع (400) مليون دينار، وبذلك سيبقى العجز يدور حول (1.1) مليار ولم يشر قانون الموازنة من أين تأتي هذه الايرادات سوى من ضريبة الدخل، وهذه الضريبة لم تقترب منها الحكومة ، بل ان تباطؤها في تنفيذ القانون الجديد للضريبة يثير الريبة.

ثالثاً: لقد تم طرح سؤال، ان الحكومة سبق ووعدت بتغطية الايرادات المحلية للنفقات الجارية، لكن شيئاً من هذا الوعد لم يتحقق، فالايرادات المحلية لا تغطي سوى (91%) من النفقات الجارية لذلك سيتم اقتطاع (9%) من المساعدات لتمويل الانفاق الجاري.

رابعاً: ان حجم الانفاق على المشاريع الرأسمالية الذي من المفترض ان سقفه (13%) لا يعبر عن اتجاه تنموي مشغل للعمالة، ويخفض نسب الفقر والبطالة، خاصة وان جزء من الانفاق يذهب باتجاه خدمي. يتحدث مشروع قانون الموازنة عن تراجع نسبة التضخم من (6%) إلى (3%) والواقع أن ارتفاع الاسعار ومشكلات الغلاء ليست دائماً بسبب التضخم، بل لها اسباب كثيرة يتعلق بعضها بالاحتكار، واعباء المديونية، وتضخمها، فالمديونية وصلت إلى رقم غير مسبوق (35) مليار دولار تشكل نسبتها حوالي ألـــ (90%) من الناتج المحلي الاجمالي وهي بازدياد، وحسب النائب الدغمي فقد قفزت المديونية العامة من حوالي (10.5) مليار دولار عام (2011) إلى (30) مليار دولار عام (2015) أي في غضون ثلاثة اعوام.

رئيس الوزراء كررها ثلاث مرات خلال خطابه ان المديونية لم تزد دولار واحد خلال سنتين إلا على الطاقة، ولم يقل لماذا ارتفع حجم المديونية اذن، هل لتمويل العجز التجاري او تمويل عجز الموازنة، أم لماذا، خاصة وان في بنود الموازنة ما يشير إلى ان الحكومة ستسجل اعلى مستوى من الاقتراض، وتقرر حجمه من السوق الداخلي والسوق الخارجي (6.168) مليار دينار ما يعادل (80%) من حجم الموازنة الكلي، وهذه مخالفة صريحة لقانون الدين العام، حيث يصل سقف الدين العام (60%) من الناتج المحلي الاجمالي ولا يتجاوزه.

لقد وعد الرئيس النسور بتخفيض العجز بمقدار (500) مليون دينار، واشارت الحكومة إلى وضع خطة لتقليص عجز الموازنة، وزيادة ايرادات ضريبة الدولة، اذ يبلغ حجم العجز في الموازنة بعد المنح (1) مليار دينار ما بنسبته (3.9%) من الناتج المحلي الاجمالي مع أن برنامج صندوق النقد نفسه يقوم على اساس خفض عجز الموازنة (2015) ما مقداره (1%) نسبة  إلى الناتج الاجمالي. وهنا السؤال من اين تأتي الأموال لتخفيض العجز ولصالح من؟؟

من الطبيعي ان يكون اول اجراء هو الاقتراض، والاجراء الثاني من رفع حجم الايرادات المحلية من خلال الضرائب وخاصة ضريبة المبيعات التي يدفعها المواطن عند شراء السلعة دون ان يشعر اضافة إلى ايرادات غير ضريبة مقدارها (1.7) مليار دينار اضافة إلى (4.4) مليار ايرادات ضريبة، وكذلك رفع اسعار السلع الرئيسية، ورفع اسعار الكهرباء (7.5%) بمعنى ان الشرائح الفقيرة والمعدمة ومحدودة الدخل هي التي تتحمل الجزء الاعظم من محاولات تخفيض العجز في الموازنة.

هناك ثغرات اخرى يمكن التطرق اليها مستقبلاً، وفي مجمل الاحوال فإن الموازنة في الدول النامية يكون اعدادها وسيلة فعالة لصياغة الاهداف وتوزيع الموارد وتنفيذ البرامج والسياسات بالاضافة إلى مراجعة ومراقبة الاداء، اضافة إلى تحسين في هيكلتها وتصنيفه. لكن في الاردن ومنذ سنوات طويلة لم تؤخذ هذه الامور بعين الاعتبار، ويترك للحكومة التصرف بدون رقابة، وهذا ما نأخذه على مجلس النواب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى