آراء ومقالاتمقالات

المقاومة التحرير والوحدة || الأفق الفيتنامي

الأفق الفيتنامي معطى سياسي للمقارنة عمل عليه المفكر القومي الماركسي الراحل ياسين الحافظ كما استفاد منه هيكل في قراءة تحولات ما بعد حزيران 1967…

واذهب، من جهتي، إلى أننا أمام هذا المعطى مرة ثانية، لا سيما وأن العدوان الأمريكي على فيتنام جاء في سياق لعبة الشطرنج الدولية حول الصين، قلب العالم الجديد الذي يشكل اليوم عنواناً للصراعات الدولية والإقليمية، فماذا عن هذا الأفق:

  1. مقارنة بحرب المقاومة الفيتنامية التي اتسعت لتشمل كل ما يعرف بالهند الصينية وتحولت فيه دول وشعوب كاملة في لاوس وكمبوديا إلى ساحات للقتال على مدار عشرين عاماً…فالمنطقة العربية خاصة الشرق العربي يدخل القانون نفسه من حيث الضغط الأمريكي العسكري والاقتصادي – المباشر وغير المباشر – لتفجير دول المنطقة وتحويلها إلى كانتونات طائفية وسنغفورات صغيرة (من سنغافورة) تدار بالشركات…ما يفتح الآفاق في ضوء التجويع الجماعي وإهدار الكرامة الوطنية أمام خيار وحيد، هو خيار المقاومة.
  2. إن تمزيق دول المنطقة إلى وحدات ممزقة في إطار شكل جديد من شركات الهند الشرقية (درة التاج الأمريكي) هذه المرة يجعل من فكرة الإصلاح والتداول الديمقراطي فكرة لا أساس لها حيث تنهار وبسرعة قياسية أدنى شروط الدولة البرجوازية المدنية الحديثة أمام سلطة المافيات وبزنس العمولات…مما يستدعي موضوعياً المناخات السياسية والاقتصادية التي عاشتها الهند الصينية قبلنا بثلاثين عاماً، وهي المناخات التي ولدت وتصاعدت فيها المقاومة الفيتنامية.
  3. وكما سبق وأشرنا فكما كان العدوان الأمريكي على فيتنام استشعاراً مبكراً لتحول قلب العالم الجديد إلى الصين وآسيا الوسطى فإن ما يجري من عدوان أمريكي على العراق وسوريا ومن تهديد لإيران والشرق العربي، هو جزء من الحرب الأمريكية الاستباقية على هذا القلب بالإضافة للعوامل الأخرى الأساسية مثل النفط وتجارة الأسلحة.
  4. وبناء على ما سبق ثمة كرة ثلج عربية تكبر كل يوم حول المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين وتؤسس بالتدريج لشكل وزمن جديد ولعقود طويلة، هو شكل وزمن وثقافة المقاومة على امتداد الشرق العربي كله حيث تتآكل الدولة القطرية ولا تفسح المجال لأية ترميمات فيها، تماماً كما حدث في دول الهند الصينية.

المقاومة والتحرير فلسطينياً

تتجه منظمة التحرير الفلسطينية إلى نهاياتها المحتومة التي تذكرنا بالمصير الذي آلت إليه حكومة عموم فلسطين في غزة…بعد أن راهنت الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني على دعم القاهرة في مواجهة التدخلات الأردنية ومؤتمر أريحا 1948 الذي دبره عملاء عمان وكلوب باشا….

فمن المعروف أن القاهرة سرعان ما تخلت عن حكومة عموم فلسطين واعترفت بإلحاق الضفة الغربية للأردن وحولت مقر الحكومة المذكورة إلى غرفة العناية الحثيثية في الطابق الأخير من مبنى الجامعة العربية…

ثمة معطيات جديدة بالتأكيد بين هذه الأيام وبين أواخر الأربعينات من القرن الماضي، ولكن ما يلفت الانتباه حقاً هو أن تغذية الأوهام في أوساط الشعب الفلسطيني من قبل الاوساط النافذة والإمبريالية السائدة آنذاك يتكرر ثانية مع الفلسطينيين الذين لم يتعلموا الدرس سابقاً جيداً، وراحوا يعيدون إنتاج السيناريو نفسه بأدوات جديدة…

وكانت النزعة الكيانية هي أخطر تجليات هذا السيناريو الذي نفذته على الدوام مجموعة من البيروقراط مع مجموعة من المثقفين الانتهازيين وبرافعة عربية، سياسية – نفطية لا تريد للفلسطينيين أن يحولوا قضيتهم إلى محور للوجود القومي برمته…لقد أدرك النظام العربي بكل تشكيلاته وأيديولوجياته وتحالفاته، أن أخطر ما يواجهه ترتيب أوراقه وبرامجه في إطار الصراع المباشر مع المحتل الصهيوني للإمبريالية العالمية، فأثر عزل نفسه عن هذا الصراع واخترع للفلسطينيين كياناً مماثلاً له وعلى صورته وخطابه القطري (نحن أولاً ويا وحدنا…الخ) وأمد هذا الكيان بكل مصادر الفساد البيروقراطي التي سرعان ما انعكست على البرنامج الفلسطيني نفسه الذي بدأ رحلة التراجع خطوة خطوة باسم ميزان القوى المختل في كل مرة ولا سيما بعد أن وضع الفلسطينيون أنفسهم في قلب معادلات النظام العربي واستحقاقاتها الانهزامية…

وتحولت المرحلية من مراجعات ميدانية وتنظيمية وتقنية في مجرى الكفاح الطويل إلى مراجعات سياسية وأيديولوجية بفعل هذه المعادلات…

والأخطر من كل ذلك تلك المقاربات المريبة التي أنتجها النظام العربي وقادة الكيان الفلسطيني السياسي الجديد…

فكما سمعنا من منظرين سياسيين عرب كلاماً عن الخطر الفلسطيني عليهم شبيه بالخطر الذي مثلته الجماعات العمالية اليهودية أواخر القرن التاسع عشر على الرأسماليات الأوروبية الصاعدة. وكان من الأفضل لهم ولنا صرف انتباههم إلى مشروع وهوية خاصة تعزلهم عن النشاط الثوري الأممي وتعيد إنتاجهم في غيتو تحت الطلب بين السويس وشركة الهند الشرقية…أعاد بعض الفلسطينيين هذه المعزوفة البائسة وانتجوها في قوالب مبرمجة حسب المقاييس العربية، وأصبح الفلسطيني الذي يعيش في الأفق القومي ودوره الخاص المميز (وليس هويته) في قلب هذا الحراك، يتحدث عن حقوقه المهدورة في إقامة أية دولة وكيف لا وهو الذي ساهم في بناء العديد من هذه الدول المجهرية المشبوهة المقتطعة من لحم الأمة عموماً ومن سوريا الطبيعية خصوصاً…

الفلسطينيون هذه الأيام، وبالرغم من مئات بل آلاف الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من الأسرى لدى العدو لم ينتجوا قيادة ثورية تاريخية.

ولا تتعلق المسألة وحسب، بالسياسات الوحشية لمجرمي الحرب الصهاينة الذين يحاولون استثمار الوضع الراهن إلى أقصى مدى توسعي استيطاني إجلائي ممكن، بما في ذلك المذابح الجماعية اليومية من أجل ترانسفير رابع، فها هي المقاومة المتصاعدة تبرهن على أن القتال من أجل النصر ممكن في أسوأ الظروف إذا ما تحررت إرادة القتال من تغذية الأوهام ومنطق المساومة….

وقد برهن الفلسطينيون على الدوام أنهم شعب مقاتل ومستعد لتقديم كل التضحيات وفي أسوأ الظروف أيضاً.

إن أزمة الفلسطينيين هي في خطابهم القطري مثلهم في ذلك مثل كل الجمهور العربي هنا وهناك وما يفاقم من أزمة هذا الخطاب وإفلاسه في الحالة الفلسطينية هو (دكتاتورية الجغرافيا) التي وضعت الفلسطينيين وجهاً لوجه مع العدو الصهيوني.

وهو ما يتطلب ابتداءً مغادرة هذا الخطاب واستعادة الروح القومية وإطلاقها في المحيط العربي وعلى امتداد قوس الصراع الدولي على الجغرافيا السياسية والنفط والممرات الاستراتيجية للعالم.

ولا بديل أيضاً عن ترميم البنادق وتعميق خط المقاومة المسلحة كخيار استراتيجي لهذه المراجعة.

ولنتذكر وليتذكر الفلسطينيون أنه حيث يسعى العدو لأن يكون قلب المشروع المناهض للأمة وهويتها، للمشروع الشرق أوسطي، الجديد ثم الكبير، فخيار الفلسطينيين الوحيد مجددا هو السعي لأن يكونوا قلب المشروع القومي….

بواسطة
خاص نداء الوطن
المصدر
د. موفق محادين
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى