مقالات

العمل النسوي لا يزال نخبويًا نتيجة العقلية العرفية وغياب ثقة الجماهير بالعمل المنظم

تهاني الشخشير رئيسة رابطة المرأة لـ نداء الوطن:

العمل النسوي لا يزال نخبويًا نتيجة العقلية العرفية وغياب ثقة الجماهير بالعمل المنظم

منظمات حقوق المرأة المرهونة بالتمويل الأجنبي تعنى بالتمكين دون تحقيق الوعي أو التغيير

 

 نداء الوطن: كيف تنظر الرفيقة تهاني الشخشير إلى واقع المرأة الأردنية، في ظل هذا الكم الكبير من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا المرأة؟ وهل ساهم هذا الازدحام –إن صح التعبير- في تعزيز حضور المرأة أم أن انعكاساته كانت سلبية؟

الشخشير: أولا إذا أردنا النظر الى واقع المرأة الأردنية فهو موضوع مهم وكبير ولا أرى أنه يمكن تحجيمه وربط إشكالاته بموضوع مؤسسات المجتمع المدني فقط. فالمرأة الأردنية تعاني من كافة الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الرجل والمجتمع ككل، من فقر وتجويع وتهميش وبطالة وتجهيل وتراجع التعليم والصحة تآكل الرواتب وغلاء فاحش، كل ذلك ولكن بشكل مضاعف وأكثر إيلاماَ وانعكاسا على المرأة، كوننا نعيش بمجتمع ذكوري أبوي يفرض عليها أن تكون ضلع قاصر، وبحاجة لكفيل أو وكيل أو سند أو ولي. ويتيح للذكر على الصعيد الاجتماعي التحكم بقراراتها وورثتها وسن زواجها وعملها وسفرها وكافة صعد حياتها.

ولكن إذا عدنا لسؤالك حول مؤسسات المجتمع المدني وهل ساهم هذا الكم من المؤسسات والتي تعمل على قضايا المرأة بتعزيز حضورها. فإنني لا أرى بهذه المؤسسات (مع احترامي لبرامج البعض منها، ومساهمتي أحيانا بحضور اجتماعات بعضها)، القدرة على تغيير هذا الواقع المرير للمرأة، وذلك لأن هذه المؤسسات وإن كان هدف البعض منها نبيل، ولكنها في النهاية تعمل على تنفيذ مشاريع ممولة، وبالتالي عند انتهاء التمويل ينتهي المشروع، ولا يتم تحويله لبرنامج ولا يكسب صفة الاستمرارية والديمومة لحين إنجاز المهمة، ولا يعاد فتحه إلا إذا تم تحصيل تمويل جديد. ولا تتبنى مفهوم تغيير ثقافة المجتمع ونظرته للمرأة باعتبارها شريكة ومواطنة، وبالتالي لا بد من تغيير هذا الواقع ورفضه، والنضال على كافة الصعد لتحقيق الحياة الكريمة لها ولكافة المواطنين، وبالغالب تعمل هذه المؤسسات على تعديل القوانين، والتي أرى ضرورة تغييرها وليس تعديلها فقط.

نعم نحن مع دولة القانون والمؤسسات وتكريسها وتغيير القوانين بما يحقق العدالة جزء أساسي من نضالنا وأهدافنا، ولكنها في النهاية لن تؤدي بنا الى أردن وطني ديمقراطي، ولن تحقق المساواة الكاملة والحقيقية وغير الهامشية ولن تمنع الجهل وترفع سوية التعليم والصحة، ولن توفر فرص عمل وتقضي على غول البطالة أو ارتفاع الأسعار أو تحارب الفساد،ولن تعزز الحريات وتوسع الهامش الديمقراطي وتوفر الحياة الكريمة للمواطنين، ولن تغير نظرة الإعلام للمرأة على أنها سلعة وتكسبها الاحترام والتقدير، ولن تزيد من مساهمتها برسم سياسة الدولة. وبالمجمل فإن مؤسسات المجتمع المدني تقدم التمكين لا الوعي والتغيير.

 نداء الوطن: هل تعتقدين ان التمويل الأجنبي قيد المنظمات النسوية وحد من قدرتها على تحديد اولوياتها وخياراتها؟! وكيف؟

 الشخشير: نعم أكيد، فالتمويل هو من جعل عمل المنظمات النسوية الممولة يأخذ الطابع الذي تحدثنا عنه بالنقطة السابقة … مثلاَ التمويل لن يقدم مبلغ ضخم من المال لمشروع انتاجي يمكن أن يدر الربح على المنظمة ويحقق لها الاستقلال الاقتصادي والذي بالضرورة سينعكس على أولوياتها وقراراتها، ولن يشغِل أيدي عاملة بشكل دائم بما يوفر لها القدرة على الإنتاج والاستقلال المادي والاقتصادي، فالتمويل هو من يطرح المشروع، وهو من يحدد الفئة المستهدفة وغالباً ما تكون نتيجة لحرب ما. (العراقيين، ثم السوريين ومخيماتهم مثالاً)، وقيمة المبلغ المالي لإنجاز هذا المشروع، والمدة الزمنية، وبالتالي عند انتهاء المشروع كمدة زمنية أو كقيمة مادية، يتم انهاء خدمات العاملين عليه وقطع ارزاقهم من جهة، وعدم متابعة المؤسسة العمل من أجل انجاز المهمة والتي بالغالب لم تنجز على أرض الواقع، والاهم من ذلك كله أن الموضوع الذي تم تبنيه أو العمل عليه هو ليس خيار المنظمة وانما خيار الممول، وبالغالب جميعها حول قضايا ذات طابع اجتماعي قانوني صحافي أو اقتصادي فوقي لا يؤثر في بنية المجتمع او تركيبته أو ثقافته، وممكن حتى ان تؤدي الى اتهامات وتشهير وتكفير بين عدد كبير من فئات المجتمع ورجال الدين والنواب، والمؤسسة التي تبنت القانون، كما حصل في موضوع (اتفاقية السيداو،وقانون الأحوال الشخصية مؤخراً). وأيضا تصبح المؤسسة تلهث وتركض خلف التمويل والمشاريع لتحقق الربح والاستمرارية، وتنسى جوهر عملها وبرامجها ودورها وأولوياتها والذي تم انشاءها من أجله، كما حدث مع كثير من المؤسسات.

نداء الوطن: كرئيسة حالية لرابطة المرأة ورئيسة سابقة لاتحاد المرأة، ما هو تفسيرك لبقاء العمل النسوي نخبويًا؟

الشخشير: نعم صحيح، ولكن ألا ترى معي بأن العمل الحزبي والنقابي والنضالي أصبح أيضاً وللأسف نخبوياً !!! أعتقد أن ذلك بسبب انعكاس فهم الشارع والجماهير لأهمية دور الأحزاب والنقابات والمنظمات النسوية والشبابية، وضرورة الانخراط فيها وتنفيذ برامجها. ولكن وفي هذا الزمن الرديء أعتقد أننا بحاجة لمجهود كبير من هذه الأحزاب والنقابات والمؤسسات والمنظمات لإعادة ثقة الجماهير والشارع بها وببرامجها وبدورها وقدرتها على قيادة هذه الجماهير،وملامسة همومها ومشكلاتها والدفاع عنها وعن مصالحها وقوتِها وكرامتها وأمنها. وأيضاً بحاجة أن تقوم هذه الجهات بالوقوف وبصدق أمام برامجها وأدواتها ووسائلها وأساليبها، بما يحقق مصالح هذه الجماهير ويدفعها بالإيمان بها والانخراط في أطرها والعمل على تنفيذ برامجها وبالتالي تعود هذه الأطر جميعاً لتأخذ صفة الجماهيرية وليس النخبوية. هذا من ناحية وله الأولوية.

ومن ناحية أخرى أرى أن موضوعة الوعي والتثقيف في هذه المرحلة ضرورية جداً، لأننا نعاني من هجمة امبريالية تجهيليه تكفيرية مدروسة، تمتلك السيطرة على العقول وتبعد الجيل الجديد وفئة الشباب عن كل ما هو جاد أو عام، وتفكك المجتمع وكافة أواصر ترابطه، وتجعل المواطن يلهث وراء الخاص ولقمة العيش، وتفرض عليهسياسة الرأسمالية والعولمة والفرد والانا والذات على ثقافة العام، وتوجه المواطن للبحث عن الخلاص الفردي، مما يتطلب من الأحزاب والقيادات والنخب العمل الحثيث والجاد على تثبيت أهمية العمل الجماعي المنظم وخلق أواصر الثقة بها وببرامجها وبأن الحل لن يكون بالهجرة أو بالخلاص الفردي، لأنه لن يكون هناك خلاص فردي طالما المجتمع ككل يعاني وأن النضال من أجل التغيير وعلى كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية والشبابية والنسوية هو الحل. وعدم اليأس والبحث عن وسائل جديدة وأساليب تجذب وتلامس الشارع والجماهير، وأيضاً الايمان بعنصر الشباب والمرأة كأصحاب المصلحة الأساسية في التغيير، واعطائهم الفرص والاستفادة من قدراتهم وعدم الاستهانة والاستخفاف بهم، واشراكهم في المواقع القيادية وصياغة البرامج وصناعة القرار.

هذا المفهوم في الرؤيا والمنهج والعمل، سوف ينعكس وبشكل تلقائي أيضاً على العمل النسوي والمنظمات النسوية ويزيد من رغبة وثقة جماهير النساء بها ويساهم في زيادة الانخراط ببرامجها، وبعودة هذه الأحزاب والمنظمات للجماهيرية لا النخبوية.

نداء الوطن: هل تعتقدين ان الحكومة جادة في تعزيز حضور المرأة في الاحزاب في ظل التقييد الذي تعانيه العضوية الحزبية؟! وكيف يمكن للاحزاب الدفع باتجاه توسيع عضويتها النسوية؟

الشخشير: لا أرى بهذه الحكومة، او بالحكومات المتعاقبة ومنذ الاحكام العرفية والتحول للديمقراطية، الجدية في تعزيز دور الأحزاب السياسية وخاصة المعارضة إطلاقاً، فما بالك بتعزيز دور النساء!!! عن أي دور وأي تعزيز تتكلم؟  وقوى الشد العكسي ما زالت تعمل على سياسة تكميم الافواه، وتتجرأ على اعتقال الحراكيين والمناضلين الاحرار، وتقوم بفصل الطلاب وملاحقتهم والتضييق عليهم بسبب تعليق أو توزيع بوستر وطني أو قومي في الجامعات، والتي من المفترض انها صروح علمية وثقافية، يبني فيها الطالب شخصيته ويطلق طاقاته وينمي انتماءه الوطني والقومي، هذه الصروح والتي تم تفكيكها وبث الجهوية والعشائرية والفوضى فيها، وتفريغها من العلم والعلماء وتحويلها لمؤسسات تجارية بحته. والتي من المفترض أن تكون الحاضنة التي يتكون فيها وعي الشباب وانتماءاتهم وافكارهم وتوجهاتهم، وتشكل الرافد الأساسي للأحزاب وعضويتها.

أما الشق الثاني من السؤال حول توسيع الأحزاب لعضويتها النسوية، فالأحزاب بحاجة أولاً لإتاحة الفرصة امام المرأة لتبوء المواقع القيادية في الحزب،واسهامهافي رسم سياساته وبرامجه،وتقديم كافة اشكال الدعملمنظماته النسوية، والعمل علىتثقيف المجتمع بضرورة المشاركة السياسية للمرأة، وتكريس دور المرأة النضالي، وزيادة وعي النساء من خلال الدورات والبرامج والنشاطات، واستغلال كافة الوسائل التثقيفية من أجل ذلك، والعمل أيضاً على توعية كوادرها كافة رجالاً ونساءً بأهمية دور المرأة ومشاركتها بالنضال جنباً الا جنب مع الرجل، وإعطاء امثلة على ذلك من نضالات المرأة في المجتمعات المختلفة وعلى مر العصور (كالمرأة الفلسطينية، والفنزويلية، والسودانية والمصرية).

نداء الوطن: تشاركين في اعتصامات الحراك على الدوار الرابع، كيف تقيمين هذه التجربة وما هي مآلاتها؟

الشخشير: نعم أشارك تاريخياً بكافة الأنشطة (مسيرات، اعتصامات أو وقفات) التي تخرج الى الشارع، وشاركت في حراك الدوار الرابع في البداية وبالتزام تام يومياً، ولكني الان غير مواظبة على الذهاب، وذلك لعدم وجود برنامج واضح لي لما تطالب به هذه الوقفات، فكل أسبوع أصبحت تطرح قضية أو شعار أو عنوان أو مطلب وتتجمع تحت هذا الشعار، ورغم تأييدي للشعارات والمطالب المطروحة، الا انني لا أعرف ولا أفهم سقف هذه الوقفات وأرى انها تحولت لمجموعة تهتف بمجموعة من الشعارات والمطالب دون أن يلتفت لها أحد. وكأنها (هيد بارك) عمان. أو كأنها تنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة، أنا لا أؤمن بعمل لا قياده له ولا أعرف سقف شعاراته ومطالبه.

حتى في اوجها عندما تم كالعادة الإعلان عن تغيير رئيس الوزراء وحل الحكومة، قاموابتنفيس الشارع وانهاء الاعتصام، وكأن الحل بتغييرالحكومة.

الحل لا يمكن بالتغيير الشكلي أو بتغيير الافراد،والسؤال هل هناك إرادة حقيقية للتغيير؟ هل حقاً ترغب الحكومة بمحاسبة الفاسدين ومحاربة الفساد ووقف الاقتراض من صندوق النقد الدولي والارتهان لسياساته والبحث عن حلول اقتصادية؟

الحل بتغيير النهج والسياسات، الحل بالسيادة الوطنية وإلغاء معاهدة الذل والعار اتفاقية وادي عربة، الحل بتجريم وتحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وعدم القبول باتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق، الحل بقانون ضريبة عادل، الحل بالقضاء على البطالة وإيجاد فرص عمل للمواطنين. الحل بقانون انتخابات برلمانية ليصل للبرلمان نائب وطن يدافع عن الوطن وسيادته ويحميه من الأعداء، الحل بتشكيل حكومة وطنية من كافة الأطراف والاطياف تعمل لإيجاد حلول للخروج من الازمة الاقتصادية الخانقة، الحل بالمزيد من الحريات والحقوق، الحل برفض صفقة القرن وتبعاتها.الحل بمحاسبة كل من تسول له نفسه بسرقة الوطن ومقدراته ومؤسساته ومصانعه، وإعادة أموال الشعبالمنهوبة لخزينة الدولة. الحل بالوحدة الوطنية وبتشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كافة الأحزاب والشخصيات الوطنية والقومية واليسارية تعمل على توحيد الصفوف وتقود الشارع والمرحلة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى