مقالات

ارتدادات انخفاض اسعار النفط على الإقتصاد والمواطن … عبد المجيد الخندقجي

     

 

  انخفاض اسعار البترول الأخير عالمياً هو مدار حديث الجميع في الأردن كما في كل بلدان العالم المنتجة أو المستهلكة للبترول لما سيحدثه هذا الانخفاض الكبير من تأثيرات على اقتصاديات الدول وعلى المواطن بشكل عام.

        وبالطبع، فإن شعوب البلدان المستهلكة هم اكثر سروراً وبهجة، وأمل بانتظار الانفراج الذي سيأتي به انخفاض سعر البترول ولا تقل الأوساط الرسمية في تفاؤلها هي الأخرى وتنتظر أن يحدث انخفاض سعر البترول انتعاشاً ونمواً في اقتصادياتها وخاصة تخفيف عجز الموازنات وعجز الميزان التجاري والحساب الجاري في ميزان المدفوعات وتحفيزاً للشركات، وبالتالي التخفيف من أزمات البطالة والفقر.

        لقد هوت اسعار هذه السلعة الهامة التي يطلق عليها سلعة ارتكازية، والقاطرة التي كانت تجر اسعار السلع والخدمات معها كلما ارتفعت. مُنذ حزيران (2014) وهذه السلعة التي هي البترول تهوي، فبعد أن وصل سعر برميل النفط (110) دولاراً هاهو ينزلق إلى أقل من (48) دولاراً للبرميل، وفي غضون ذلك بدأت الأموال تنتقل عنوة من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة، حتى أن بعض التقارير اشارت إلى أنه خلال فترة الانخفاض تم نقل حوالي (1,3) ترليون دولار من جيوب المنتجين إلى جيوب المستهلكين، هذا عندما وصل سعر برميل النفط (80) دولاراً، أي بعد أن خسر من سعره حوالي (30) دولاراً فما هي المبالغ التي خسرتها الدول المنتجة حالياً بعد أن وصل السعر (48) دولاراً وأقل من ذلك. لا شك انها تضاعفت.

        لذلك، فإذا كانت الدول المنتجة هي الآن بصدد احصاء خسائرها، والدول المستهلكة منهمكة بإعادة ترتيب اولوياتها ومراجعة برامجها المثبتة في موازاناتها السنوية فإن سؤالاً مهماً يبرز، وهو كيف ستستفيد الدول النامية والفقيرة من هذا الزلزال السعري، كيف ستوظفه في اعادة هيكلة اقتصادياتها، هل ستتعامل مع الوفر المالي على اساس حسابات مالية، أم على اساس خلق اقتصاد يقوم على التنمية ويعكس نفسه على مستوى معيشة المواطن.

        طبعاً، البعض من المتفذلكين انبروا للتقليل من اهمية هذا الحدث، وقالوا، مهلاً، وقليلاً من التفاؤل، فهناك خسائر سوق تتكبدها الدولة مقابل الأرباح، هناك سلبيات مقابل الإيجابيات. ولقد قرأنا لكثير من هؤلاء عندنا في الأردن وهم يترحمون على ايام الوفره لدى دول الخليج، ويتحدثون عن أن انخفاض اسعار البترول على هذا النحو سيولد ضغوطاً كبيرة على اقتصادياتها وبالتالي سوف يتقلص دعمها ومنحها للأردن، وسيتأثر حوالي (500) الف اردني يعملون فيها، كما يؤثر ذلك على حوالات المغتربين كما سيتراجع حجم الاستثمار الخارجي المباشر، ويتحدث البعض من هؤلاء عن جدوى استخراج الصخر الزيتي، وانخفاض ايرادات خزينة الدولة من ضرائب المبيعات المفروضة على المحروقات. ومن السلبيات حسب ارائهم ارتفاع الاستهلاك المحلي من الطاقة ما يعني أن فاتورة النفط لن تنخفض بالقدر المطلوب، لان زيادة الاستهلاك ممكن ان تعوض فرص انخفاض السعر.

        مما لاشك فيه ان بعض هذه الملاحظات ممكن أن يكون صحيحاً، لكنه لا يمكن أن يقارن بالايجابيات الناجمة عن انخفاض اسعار هذه السلعة فدول الخليج ملتزمة ضمن اتفاقيات مع الأردن على حجم المساعدات والمنح بغض النظر عن ارتفاع أو انخفاض اسعار النفط، وتتحدث عن (5) مليار دولار موزعة على أكثر من دولة خليجية كمنحه للاردن، اما انخفاض ايرادات خزينة الدولة والمقدرة بــــ (100) مليون دينار فنشير بأن الخزينة وفرت حوالي (180) مليون دينار عندما كان سعر البرميل (80) دولاراً وفقدت (100) مليون دينار حصيلة ضريبة المبيعات على المحروقات، وحالياً يقدر الوفر المالي باكثر من (400) مليون دولار في ظل سعر البرميل (48) دولار كما ستتضاعف الخسائر نتيجة فقدان ضريبة المبيعات والضريبة الخاصة على البنزين.

        اما عن ارتفاع الاستهلاك المحلي وزيادته نتيجة انخفاض السعر، فإن من شأن الانخفاض أن يساعد على تحريك السوق المحلي وبالتالي زيادة الاستثمار لان المستهلك سوف يوفر ثلث ما كان ينفقه على بنزين سيارته وبذلك يرتفع دخله ويضع جزءاً منه في البنك كادخار.

        نأتي إلى الايجابيات، وأول ما نشير إلى الأموال التي ستدخل خزينة الدولة وبالتالي التخفيف من عجز الموازنة هذا العجز الذي صدعت الحكومة رؤوسنا به وساهم في ارتفاع حجم المديونية. كما سيترك الانخفاض اثاره الإيجابية على التضخم وعلى الميزان التجاري والحساب الجاري في ميزان المدفوعات وباقي القطاعات الاقتصادية والشركات. وانخفاض معدلات التضخم سيشجع البنك المركزي على اتباع سياسة نقدية تسهيليه عن طريق تخفيض اسعار الفائدة، وهذا يعني زيادة الطلب على التسهيلات الائتمانية، وانخفاض اسعار النفط سيترك اثاراً ايجابية على كلف الانتاج وبالتالي المساعدة على زيادة الاستثمارات وتنشيط المشاريع التي اعتبرت غير ذات جدوى اقتصادية في السابق.

        ونشير ايضاً إلى الانعكاس الايجابي على الناتج المحلي الاجمالي ويتجاوز نسبته الـــــ (3,5) إلى (6%) و (7%) حسب تقديرات الخبراء وبالتالي يتمكن الأردن من ايجاد فرص عمل ووظائف جديدة. والأهم من ذلك تأثير الانخفاض في سعر البترول على اسعار المستهلك الذي عانى كثيراً خلال السنوات الثلاث الماضية.

        وحسب بعض الدراسات، فإن انخفاض سعر البرميل سوف يوفر حوالي (50%) من فاتورة استيراد الطاقة التي بلغت العام الماضي (6,5) مليار دولار بحيث انخفضت إلى (3,25) مليار دولار بعد انخفاض سعر البرميل هذا العام (2015).

        إذن لا يخلو الامر من المشككين بجدوى الانخفاض في اسعار البترول، والتقليل من الفوائد، وهؤلاء بالطبع يخدمون اجندة الحكومة، ويحاولون تخفيض سقف توقعات المواطن الذي بنى ويبني آمالاً كبار على هذا الانخفاض، ولا زال ينتظر أن تتحقق هذه الآمال أو جزءاً منها على الأقل. فهل حدث شيء من ذلك، أو سيحدث في المستقبل.

        بالرغم من مرور حوالي 7 شهور على بدء انهيار اسعار البترول، إلا أن المواطن لم يلمس شيئاً ايجابياً ولو بسيطاً على مستوى حياته المعيشية. فمثلاً قطاع النقل لم يتأثر إطلاقاً والحكومة تقول أن ليس لديها دراسة لتخفيض اسعار النقل. وحتى اسعار المشتقات النفطية لم تشهد ذلك التخفيض في الأسعار الذي يوازي انخفاض السعر عالمياً فمثلاً يبلغ سعر تنكة البنزين (95) أوكتان (17) ديناراً فيما وصلت في لبنان الذي وضعه يشبه وضع الاردن من حيث استيراد كامل احتياجاته من الطاقة وصل سعر التنكة إلى (12) دولار.

        أما اسعار السلع، فقد اشارت منظمة الفاو إلى أن معدل الانخفاض الذي طرأ على اسعار (4) سلع غذائية رئيسية بلغ ( 60%) عما كانت عليه الاسعار في يونيو الماضي، ومن هذه السلع التي تستوردها الدول العربية الحبوب انخفض سعر (12,5%) والالبان (7,4%) والزيوت (6,2%) والسكر (3,8%) باستثناء اللحوم التي زاد توتر اسعارها بنسبة (8,1%).

هذا الانخفاض في اسعار اهم السلع الغذائية الرئيسة لم يصل الأردن بعد، بل بالعكس تشير التوقعات إلى أن اسعار السلع والخدمات ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً في السوق المحلي إذا ما اقرت زيادة اسعار الكهرباء وقدرها (15%)، ورجح تجار محليون أن ترتفع الاسعار بنسبة تتراوح بين (10%) و (20%) أي بنسبة ارتفاع اسعار الكهرباء، وقد هدد التجار علناً انهم سيرفعون اسعار السلع بقدر ارتفاع اسعار الكهرباء وضريبة الدخل على القطاع التجاري البالغة (20%).

        يبقى أن نشير إلى مسألة طالما اشغلت بال الشعب الاردني وهي، ما إذا كان الانخفاض اسعار البترول تأثيرات تدفع باتجاه الاصلاح. والحقيقة أن المعطيات لا تشير إلى أن هذا المطلب في ذهن الحكومة لأن من يتخوفون من تراجع حجم المساعدات من الدول المانحة، ومنها الخليجية انما يتشبثون ببقاء النظام الريعي الذي يتناقض مع نظام يقوم على منظور تنموي وتوجيه أي ايرادات مثل الايرادات المنتظرة في اعتماد سياسة اقتصادية تتخلص من المراهنة دائماً على المنح والمساعدات. 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى